بهجت سليمان ومجلة فكر
} الأمين سمير رفعت
العاشرة من صباح يوم السبت كنت في بيتي في دمشق، أقضي السبت والأحد لأقرأ نشرات أخبار التلفزيون الشامي في هذين اليومين بناء لرغبة السيد الرئيس حافظ الأسد لأعود بعد ذلك يوم الاثنين إلى بيروت وإلى عملي رئيساً لتحرير مجلة “صباح الخير – البناء”، رنّ هاتف بيتي الدمشقي المؤلف من غرفة واحدة، ليأتيني صوت المتكلم مبادراً: تحيا سورية رفيق سمير… عرفت لوهلة أنّ المتكلم ليس قومياً اجتماعياً إذ لو كان كذلك لعرف أني أمين في الحزب وعليه، وقد نلت رتبة الأمانة بدمع العين… والقلب، ومع ذلك حيّيت المتكلم بالتحية ذاتها، فقال لي معرّفاً عن نفسه: أنا العميد بهجت سليمان رئيس أركان سرايا الدفاع، وقد قيل لي إنك لا تجيب على هاتف لا يحيّيك بالتحية القومية التي تتداولونها، عندها أجبته انّ من نقل لك عني ذلك نسيَ أن يقول لك أني أمين سمير وليس رفيق سمير… أتممنا حديث المجاملات حتى قال لي: أعرف أنكم تصدرون مجلة فكرية رائدة باسم مجلة “فكر” وكم أتمنّى أن احصل على أعداد منها لأنها مجلة ثقافية غنية، وليس لديّ إلا بعض الأعداد… وأكمل حديثه قائلاً… ولك عندي دعوة على الغداء في ثكنة سرايا الدفاع وسأولم على شرف حضورك خروفاً محشياً…
توقفت للحظة قبل أن أجيبه: يشرّفني أن يطلب مني عميد في الجيش الشامي مجلة ثقافية فكرية كمجلة “فكر” ولكن أعذرني على عدم قبول دعوتك على الخروف لأننا لا نقايض فكرنا بالخراف… ثم إني أريد أن أذكر لك حادثة مماثلة لدعوة مماثلة قدّمها لي قائدك رفعت الأسد، حين بعث لي بصديق مشترك يقول: إسالوا سمير رفعت إذا كان يذكر أننا كنا في مدرسة واحدة في دمشق بداية الستينات، وله دعوة على خروف محشي… أجبت السائل أنني لا أذكر أننا تزاملنا معاً… فكان ردّ رفعت الأسد أنه من الطبيعي أن لا يذكر سمير رفعت رفقتنا في الثانوية الأهلية بدمشق لأنها كانت مدرسة للسوريين القوميين، وكنت أنا – أيّ رفعت الأسد ورفيق آخر اسمه “معين النقيب” من حزب البعث، وكنا ضائعين في مدرسة تعجّ بالسوريين القوميين من إدارتها إلى طلابها، وبالفعل فقد كانت تلك الثانوية لآل اليازجي الذين رفدوا الحزب وما زالوا بخيرة الرفقاء والأمناء…
وطبعاً اعتذرت لرفعت الأسد عن عدم قبول دعوته أيضاً لأني كنت لا أحبّذ فتح خطوط جانبية في الكيان الشامي، إذ كنت مع تنسيق حزبي مع القصر الجمهوري فقط.
عدت يوم الاثنين صباحاً إلى بيروت، وأوّل ما قمت به أني توجهت الى “دار فكر”، وجمعت نسخة واحدة منذ صدورها، ووضعتها في سيارتي أنتظر مجيء يوم الجمعة لأحملها الى دمشق، وأسلّمها للعميد بهحت سليمان.. وبالفعل بعد وصولي دمشق اتصلت بالهاتف الذي أعطاني إياه وحيّيته: تحيا سورية عميد بهجت.. مجلة “فكر” صارت في دمشق كما طلبت، أرسل من يتسلّمها، وما زلت اعتذر عن عدم قبول دعوتك على الخروف المحشي.
بالأمس اختطف الداء الذي فتك بالبشرية اللواء بهجت سليمان… السفير الشامي في العاصمة الأردنية عمّان، والذي كان يرفض المرور في طريقه إلى السفارة الشامية من أمام سفارة الكيان العدو في شارع السفارات في عمّان كي لا يرى نجمة داوود قسراً في مدينة في الهلال السوري الخصيب…