نزارُ… شاعرٌ مثلك لا يتكرّر فكيف ننساك…؟
} يكتبها الياس عشّي
قبل ثلاثة وعشرين ربيعاً، وتحديداً في الثلاثين من نيسان عام 1998، رحل الشاعر الدمشقيّ الشاميّ السوريّ نزار قباني، تاركاً لنا، في حدائق شعره، بحيرة من الياسَمين، وربيعاً أخضر الكلمات، ممشوق القدّ، بهيّ الطلعة، متدفّق الحضور، ناصع البياض… ربيعاً جميلاً حتّى البساطة.
لم يتعوّد نزار، يوم كان يغادر بيته الدمشقي وحارته، أن يغادرهما وحيداً، ألم يخبّئ في حقيبته الديبلوماسية، يوم توجّه إلى اسبانيا:
“ صباحَ بلادِه الأخضرْ
وأنهرَها
وأنجمَها
وكلَّ شقيقِها الأحمرْ”؟
ثمّ ألم يخبّئ في ملابسه:
“طرابيناً من النعناع
والزعتر
وليلكةً دمشقيّةْ”؟
بلى… لقد فعل ذلك يوم كتب، من مدريد، رسائله الخمس إلى أمّه .
ويوم احترقت أصابعه بجحيم حزيران ألمْ يصرخ:
“يا وطني الحزينْ
حوّلتني في لحظةٍ
من شاعر يكتب شعرَ الحبّ والحنين
إلى شاعرٍ يكتب
بالسّكينْ”؟
تُرى لو عاد نزار اليوم إلى شامه، إلى ملاعب صباه، إلى ياسَمينة أمّه، إلى جريدة أبيه، إلى حبيباته، إلى قاسيون، إلى بردى، إلى السبع بحرات، إلى سوق الحميديّة، إلى الجامع الأموي، إلى متحف العظم، وإلى جامعته؛ تُرى ماذا سيقول؟ وماذا سيخبّئ في حقيبته؟
حتماً سيعيد على مسامعهم قصيدة “خبز وحشيش وقمر”، و “الحبّ والبترول”، و “جريمة شرف أمام المحاكم العربيّة”، وكلّ القصائد التي أعلن من خلالها حربه على شرق التكايا، وأمراء النفط، وتجّار الخدر، وشيوخ القبيلة. وسيردّد بينه وبين نفسه:
“ دمشقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي
أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربَ”؟
أتساءل الآن: هل توقّع نزار قبّاني أن يكون مهر دمشق بهذا الغلاء؟