روسيا اللبنانية بين السياسة والنفط
} د. وفيق إبراهيم
يحلّ لبنان ضيفاً مرحَّباً به على لائحة الحركة الروسية الجديدة في الشرق الأوسط لأسباب تبدو سياسية في ظاهرها، لكنها تختزن أبعاداً نفطية في أعماقها.
وتسجل جزءاً من العودة الروسية الى الشرق الاوسط وذلك بعد رحيلها عن مصر في مرحلة السادات في السبعينيات. وهكذا يتأكد أن لقاءات الصدمة بين دبلوماسيين لبنانيين ومسؤولين روس في الخليج هي لقاءات مقصودة لأهداف اقتصادية تحاول التعامل مع الثروات النفطية في سورية ولبنان بشكل لا تخرج فيه عن خط منتدى البحر المتوسط المتعامل أيضاً مع روسيا.
للتذكير فإن الروس يؤمنون الغاز لمعظم دول أوروبا من خطوطهم الروسية والتركية ويعتبرون غاز البحر المتوسط منافساً لثرواتهم ومنافساً لهم لسهولة وصوله الى اوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
لذلك يحاولون الإمساك به لمنع المنافسة الاميركية التي تريد السيطرة على غاز البحر المتوسط لتحجيم الدور الروسي فيه، والسماح للغاز الأميركي لإيجاد فرص في القارة العجوز.
فهل تناقش الروس مع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بينما كان يجول في بلدان الخليج؟ وهل وجدوا أفقاً مفتوحاً؟
تقنياً وسياسياً روسيا أقرب الى إتمام صفقة التقارب السورية اللبنانية حول الطاقة من الأميركيين، لأن الروس نجحوا ببناء منتدى البحر المتوسط الذي يجمع بين مصر والأردن واليونان وفلسطين المحتلة و»إسرائيل» مقابل حلف تركي – إسرائيلي لم ينضج بعد وقد يجد اللبنانيون والسوريون عضوية «إسرائيل» فيه عائقاً يمنع التحاقهم به وكذلك بالنسبة لسورية، لذلك يندرج النفط اللبناني والسوري في خانة ثالثة قد يخترعها الروس مؤمنين خطوط عبورها من تركيا وهذا أفضل الإمكانات.
فهل هذه فرص لبنان الوحيدة؟
لا يكتفي الروس بهذه الاحتمالات، بل يبدون مصرّين على إعادة سورية إلى الجامعة العربية وهي عودة مقبولة من الخليج مع بعض التمنع السعودي بخلفية أميركية، الى جانب بدايات خطط للعودة لاقتحام السياسة الروسية لهذه المنطقة انطلاقاً بالتقارب السياسي أولاً وصولاً الى العلاقات الاقتصادية في مراحل آنفة.
أين لبنان من كل هذه التطورات؟
روسيا ليست على علاقة جيدة بالعهد الذي لم يمنحها أدواراً تريدها، ولا يزال يعتبر أن الفرنسيين أقرب إليه من الروس، هذا ما جعل الروس يختارون طريقاً أكثر قوة للدخول الى بلاد الأرز من أوسع مسالكها.
فاختار حزب الله بما هو تركيبة تجمع بين السياسة والاقتصاد ويجمع بين المكانة الداخليّة والخارجيّة وكان بذلك يبحث عن مصالحه الداخلية والخارجية في آن معاً.
بذلك يضع الروس سياستهم اللبنانية الجديدة على أساس الحضور السياسي المميّز لا على سياساته السابقة التي كانت تؤثر العمل السياسي الظاهري على اساس ان لبنان بلد غربي تاريخياً وغير قابل للتبديل بسرعة.
ماذا يريد الروس من لبنان؟
يريدون منه تنظيم علاقتين هامتين: إيران وسورية وكلتاهما تناهضان الدور الغربي لكنهم يحتمون بدور حزب الله الذي يعتبرونه أكثر من إقليمي ومحلي وسوري، الأمر الذي يشجعهم على بحث موضوع لبنان مع إيران انطلاقاً من ارتباطها البنيوي بحزب الله.
وهكذا يتسلل الدور الروسي الى لبنان من خلال إيران خفيّة وسورية المجاورة والشقيقة بشكل علني، فما بين لبنان وسورية وشائج أخوة وعلاقة اقتصادية يحاول النظام منع تطوّرها لاعتبارات علاقته بالغرب، لكنه أصبح عاجزاً لان ارتباط الاقتصادين السوري والروسي والقوة الهائلة الداخليّة لحزب الله تجعل من الموضوع الروسي سهل التسلل والتجذر آنفاً في كامل بنية الاقتصاد.
ومن النتائج السريعة لهذه المندرجات هي الرحلة الرسمية المرتقبة لوفد من حزب الله الى روسيا منتصف الشهر الحالي، بكامل قامته التفاوضية التي تجمع بين قيادات من أوزان محمد رعد وعمار الموسوي.
فهل يكون الحزب المدخل الفعلي لروسيا الى لبنان؟
روسيا في لبنان ليست حاجة روسية فقط فهي تشكل أيضاً حاجة للحزب الذي يريد الموازنة بين الضغط الغربي الكبير على لبنان من الفرنسيين والأميركيين وبين إمكانية اختراع موازنات تجعل الطريق اللبنانية للحزب أكثر سهولة، وتُيسّرُ له مهامه الإقليمية بالقليل من العصيان اللبناني من بعض الفئات الداخلية المحسوبة على الخليج ومجمل النظام الغربي.
فهل تنجح هذه المحاولات؟
إنها قريبة من العبور، لأن لحزب الله علاقات عميقة بالتيار الوطني الحر من خلال صداقته برئيس الجمهورية، ولديها حظوظ وافرة لأن العلاقات بين القوى المارونية بين التيار الوطني الحر والقوات والكتائب والكاردينال الراعي وصولاً إلى أصغر القوى من الكتلة الوطنية ومثيلاتها ما يسمح بالقول إن حرب الموارنة بين بعضهم بعضاً منطلقة، وهذا يشجع حزب الله على التعمّق في مطالبه لناحية تأكيد علاقته بالروس مع ترجمتها الى درجة منح الروس تسهيلات اقتصادية، ونفطية وسياسية وذلك تمهيداً للقطبة المخفيّة التي تجسّدها ايران والتي تترقب دورها في علاقات حسنة مع لبنان تجسّد ميزان قوى كبير لمصلحة حزب الله، بشكل لا تسمح للرافضين التقليديين والدائمين من الصراخ من هجوم إيراني على لبنان مستندين كالعادة على الخليج وفرنسا والأميركيين.
لبنان اذاً بين روسيا متلهفة لمياه البحر المتوسط في سورية ولبنان وبين إيران كامنة ترتقب خلف سياسات لبنانية من صنيعة العلاقات العميقة مع الروس وقوة حزب الله في لبنان والإقليم.
الأمر الذي يؤكد أن صناعة لبنان يجمع بين الغرب والشرق ليس بعيداً وأن النفط السوري اللبناني له الحظ الأوفر بأن يصبح روسياً.