«الشطارة» اللبنانية ضيّعت البلد وجوّعت الشعب
} علي بدر الدين
لا غرابة في أن «يبدع» السياسيون في لبنان، ويتأقلموا مع كلّ مستجد وأزمة ومأزق، وقد خبروا بالتجربة والممارسة والسلوك السلطوي، كيف «يدوّرون» الزوايا، ويستنبطون الحلول السحرية الملغومة بالطبع، ومتى يفتعلون الأزمات والمشكلات، ويخرجون منها بصفر خسائر ومن دون مفاعيل وارتدادات، على قاعدة «لكلّ مشكلة حلّ»، ويخرجون منها بسلام ومن دون ندوب أو أيّ أثر سلبي، كما تخرج «الشعرة من العجين».
هذه هي «الشطارة» التي وُصف بها التجار اللبنانيون منذ العصر الفينيقي، التي من عناوينها الإطراء والمجاملة والتملق والمبالغة في النفاق والدجل، والألاعيب والاحتيال، والازدواجية في الولاء والانتماء لوطن أو دولة أو مسؤول متنفذ أو لسياسي «واصل» أو لوسيط سمسار، المهمّ أن ينجح في «الشحادة» من الداخل أو الخارج، ويحقق أحلامه الشريرة، على حساب الوطن والشعب والدولة والمؤسسات والدستور والقانون، وان يتمتع بالسلطة والمال والنفوذ والقوة والاستبداد، وأن يأمر فيُطاع من دون تردّد واعتراض، ومن بعد حدود مصالحه فليذهب الآخرون إلى الجحيم.
هذا ما يحصل في لبنان بالتمام والكمال، حيث، توارث السياسيون بتلقائية وسهولة ما خلفه الأجداد والآباء الذين عبروا جسور الدنيا، والسياسة والتجارة والسلطة والمال والحكم، وظلّ الوارثون تباعاً أمناء أوفياء لنهج من سبقهم، وإنْ عاثوا في الأرض والدولة والسلطة فساداً وجشعاً ونفاقاً وظلماً واحتكاراً، ولكن بأساليب أكثر تطوّراً، وادّعاء بالحرص على البلد والشعب، وبوعود الخير والإصلاح والتغيير والتطوير، وهم يحفرون تحت الأرض كـ «الخلد» الغدّار لسحب بساط كلامهم ووعودهم وحرصهم من تحت أقدام الشعب، الذي وقع في أفخاخهم وغشهم، وسياساتهم الملتوية، ما أفقده كلّ شيء، ووقع في شرّ تصديقه وثقته العمياء وتسليمه لأوراقه كلها من دون تحصين نفسه حين موعد الحساب الانتخابي، او التخلص من تبعيته وارتهانه لهذا أو ذاك، الذي تسلّق سلّم السلطة والمال والنفوذ، على ظهوره التي انحنت، لترفع قلة من الانتهازيين والمتملّقين إلى فوق، ويبقى هو تحت، يئنّ ويتألّم ويتحسّر على ما صنعه بضعفه وأيديه وربما بإرادته. لكنه رغم حاله المأساوية التي يُرثى لها، لا يزال يغرق في الكلام المعسول والوعود الكاذبة، وينتظر من جلاديه أن يرأفوا به، ويرحموه ويرفعوا سيوفهم عن رقابه، ويأمل منهم عدم حرمانه من القليل من مكرماتهم، ووقف سرقاتهم، وإعادة اموال الشعب والدولة، ويقبل بربطة الخبز التي يرتفع سعرها ويقلّ وزنها، وبالمحروقات التي يتمّ احتكارها وتخزينها ومنعها عن الناس، ثم فجأة تغرق السوق، بعد رفع أسعارها، وبيعها في السوق السوداء على طريقة بيع الدولار، حتى طغى السواد على كلّ شيء، جامداً كان أو متحركاً، وها هو، وزير الطاقة يبشر الشعب والابتسامة على محياه، انّ العتمة آتية، لأن لا كهرباء آخر هذا الشهر، منذ ثلاثة والشعب منذ عقود، مغطى بالسواد والعتمة. وها هو النائب علي حسن خليل يفتي ويعد بسلفة مالية للقوى الأمنية، من دون باقي الشعب، وقد لا تكتمل المبادرة ولا تصل إلى خواتيمها لأنّ دونها عقبات وأصوات معترضة، وقد تتحوّل إلى مادة تجاذب ومزايدات جديدة مع أنّ الجيش يستحق الدعم والمساعدة والمساندة، وها هو الشعب «المنتفض» يخرج من الشارع على وقع تحميله المسؤولية عن قطع الطرق والشغب والفلتان والضحايا وتتسابق بعض القوى السياسية لرفع مسؤوليتها عن تغطية المنتفضين والتنصّل منهم، وتتبرّأ الطبقة السياسية الحاكمة من كلّ تاريخها الأسود، ومما اقترفته على مدى حكمها وتسلطها سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، وأنها اليوم بعد أن أسقطت البلد والشعب بالضربة القاضية، وفقدت قرارها، والثقة الدولية والمحلية فيها، تنتظر توافقاً إقليمياً دولياً قد يحصل، بعد الدخول الروسي بزخم على خط الوساطات والمصالحات العربية والمبادرات على مستوى المنطقة ولبنان في أولوياته. ليس حرصاً من هذه الطبقة على الوطن والناس، ولا لأنها تريد تسريع تأليف الحكومة، وهي ليست مستعجلة عليه، إذا كان القرار لها، لأنّ أيّ تأليف توافقي على مستوى الإقليم والدول، يجب ان يرتبط بشروط إصلاحية لا تناسب هذه الطبقة الحافل سجلها بالفساد والنهب والتحاصص.
انها «الشطارة اللبنانية» في السياسة وغيرها، التي ربما حان وقت «فكّ ألغازها» وكشف زيفها وأبطالها، ومنعها من التداول، لأنها كانت ولا تزال وبالاً وخراباً على الشعب، الذي هو دائماً الضحية الأولى لها. وتنطبق أمثال وحكايا تمّ ذكرها للدلالة على أنّ الشعب وحده يدفع ثمن «شطارة» وألاعيب «الكبار» في السياسة والسلطة والاقتصاد والمال، الذين يغدرون بالأوفياء لهم بعد إمساكهم بالقرار. ومنها «تسلّل الذئب فصاح الديك، فنبح الكلب، وانتبه الراعي، وتحرّك الأهالي، ففرّ الذئب ونجا القطيع، واطمأنّ الراعي، واستراح الكلب. احتفل الاهالي، فذبحوا الديك»، فتحوّل من كان المبادر إلى التنبيه من الخطر الآتي إلى ضحية مع أنه كان يجب أن يُكافأ.
وتحت عنوان، «مسكين يا مواطن» كتب أحدهم: «اسمك عند الحلاق زبون، وعند دفع الضريبة مكلّف، وعند الصعود إلى الباص راكب، وعند مناداة الشرطي لك بإسم نوع سيارتك، وفي السجن اسمك نزيل، وفي الدوائر الرسمية مُراجع، وفي البنك عميل، والانتخابات اسمك ناخب، واسمك عندما تموت الميت. إنك ستبقى تدفع الضريبة لأنك في خانة الشعب، ولكنك قادر على إحداث الفرق بالتغيير، إذا ما ورثت «الشطارة» المفيدة لك وللمجتمع والوطن والدولة.