شراسة الحرب الناعمة وبداية نهايتها
} د علي سيد
يقول الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية هاري ترومان (1884 – 1972): «إنّ الاستعماريات القديمة قد بهتت واليوم على الأذكياء منهم استخدام الاقتصاد والمعونات لتحقيق مكاسب سياسية» .
الإمبريالية هي أعلى درجات الاستعمار حيث تنطلق بعدوانها من شقين الأول العدوان العسكري والثاني الاقتصادي (العقوبات المباشرة أو المقنعة) حين يسقط الخيار الأول، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة في إيران وكوبا وفنزويلا والعراق وسورية وحصار اليمن وكذلك لبنان.
بالنسبة للبنان فالمنطق يقول بوجوب احترام وجع الناس وجوعهم وتحركاتهم السلمية التي تحترم الناس وحريتهم وتصون أملاكهم، ولكن للأسف، فـ أداء الداخل وفساده يساعد الخارج على تحقيق مآربه، نحن واعون لها تماماً ولكن هل المسؤولون وأصحاب المناصب والنفوذ واعون لمخاطر الحرب الاقتصادية الشرسة على شعبهم ووطنهم الجواب: لا، فهم يتلهّون بالقشور ويبحثون عن مكسب هنا وهناك والبلد مستنزف وعلى شفير الهاوية إن لم يكن في الهاوية.
حاولوا تجييش الشارع ونزول الناس لكي يمرّروا ما يخططون له ويضعون لبنان تحت الوصاية الدولية، عندما لمسوا قلة التفاعل، وأدركنا وأدركوا أنّ مشروعهم فاشل، أصبحنا الآن في بداية نهاية الحرب الناعمة أو لنقل فشلها ضدّ محور المقاومة، كذلك نعيش مرحلة مخاض وتبلور هذا المحور والنصر لنا بإذن الله.
يتبادر إلى ذهن أيّ عاقل سؤال وجيه لماذا نشهد منذ فترة انهيار العملة اللبنانية والسورية والإيرانية والفنزويلية (العراق سائر بهذا الاتجاه ويمشي بين النقاط) عنوةً عن باقي دول العالم، بالإضافة إلى حرب اقتصادية شرسة.
حصار وعزلة شبه تامة على الجمهورية الإسلامية، وكذلك على فنزويلا، وحرب على اليمن، وعدم استقرار وقلاقل في العراق.
انتقل المخطط من الربيع العربي إلى الحرب الاقتصادية بدءاً من فنزويلا وانتهاءً بالمقاومة الفلسطينية مروراً بإيران والعراق وسورية والمقاومة اللبنانية التي تعتبر رأس حربة في مواجهة هذا المشروع نظراً لوجودها على حدود فلسطين المحتلة وتعاظم قدراتها القتالية والصاروخية وامتدادها نحو سورية والعراق واليمن، أيّ محور الممانعة، فنشهد شبه انهيار لعملاتها الوطنية دون غيرها في سائر دول العالم.
فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي من النفط (300 مليار برميل احتياط قابل للاستغلال)، تشهد طوابير من الناس تقف أمام المحلات التجارية والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يُعدّ شعبها من أفقر الشعوب وهو يملك أكبر إحتياطي نفط (كلّ ما نراه في دول الخليج من عمران وازدهار هو من بركات آبار النفط) فما الفرق بين هنا وهناك… الجواب واضح.
أما لبنان الذي لم يهتزّ اقتصاده وما حدث سنة 1992 من تدهور لعملته الوطنية كان مؤامرة (داخلية خارجية) باعتراف الجميع، فمن 1993 إلى 1996 إلى 2000 سنة التحرير إلى 2005 عام اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى عدوان نيسان 2006 حتى أحداث أيار 2008 والتوتر على الحدود مع فلسطين المحتلة في مواجهة العدو الصهيوني من فترة لأخرى (شجرة العديسة، مقتل وإصابة جنود إسرائيليين واستشهاد جنود من الجيش اللبناني) وبقاء لبنان لسنتين ونصف السنة بدون رئيس للجمهورية حتى انتخاب الرئيس ميشال عون سنة 2016 ونحن نعلم بأنّ في لبنان خاصةً بعد سنة 2005 لا يوجد استقرار دائم، فبالرغم مما ذكرناه باختصار شديد لم تهتز العملة الوطنية وبقي سعر صرف الدولار ثابتاً، فهم يعلمون مدى أهمية وفعالية المقاومة في لبنان على كافة دول المحور من سورية إلى العراق حتى اليمن وانّ حصارها وإنهاءها في لبنان هو من دون شك إضعاف وضربة في الصميم لمحور الممانعة.
حين اقتنع الغرب بعدم جدوى الحرب المباشرة لإخضاع لبنان، ودخول معادلة الصواريخ بعيدة المدى (لا وجود لحدود جغرافية في المعركة العسكرية) وفشلهم في ليّ ذراع المحور بعد 10 سنوات من الحرب والإستنزاف من الإرهاب المدعوم والمموّل من الغرب وانتصار محور الممانعة في هذه المعركة أيضاً، بدأ التفكير الفعلي والعميق بالإنتقال إلى الحرب الناعمة وبدأت مراكز الدراسات في الغرب بوضع سيناريوات لهذه الحرب على تلك الدول فبدأت من الجمهورية الإسلامية في إيران بعقوبات اقتصادية جائرة وانهيار لعملتها ومحاصرتها ومعاقبة أيّ دولة تتعامل معها كي ترضخ أو تستسلم لشروط الولايات المتحدة الأميركية.
وحين اقترب الجيش السوري من حسم المعركة ضدّ الإرهاب المدعوم من الغرب وبدأت نهاية الحرب الكونية على سورية تقترب لصالح محور الممانعة، بدأت أميركا وحلفاؤها بحرب اقتصادية شرسة عنوانها انهيار الليرة السورية للقضاء على النظام المنتخب دستورياً وديمقراطياً لإسقاطها من الداخل والإطاحة بالحكم الحالي وفي ظنّها أنّ ما لم تحققه خلال 10 سنوات من دعم لكافة المنظمات الإرهابية بشتى الوسائل وبشكل فاضح وواضح، من الممكن أن تحققه من خلال الدفع باتجاه انهيار كامل للعملة الوطنية وتقليب جماهير ومؤيدي المقاومة على الحكومات الممانعة بحجة (نريد أن نأكل نريد أن نعيش كبقية الشعوب والدول) ولكن وعي هذه الشعوب لحجم المؤامرة سوف يسقطها، وسياسة عض الأصابع ومن يصرخ أولاً أتقنها وتمرّس بها الرئيس بشار الأسد على خطى الرئيس الراحل المقاوم حافظ الأسد الخبير جداً بهذه السياسة، والذي لم ينهزم أو يستسلم في أحلك ظروف الأزمة السورية والمواجهات الشرسة منذ 2011 صمد وسينتصر، وإنّ غداً لِناظره قريب.
إنما الصبر ساعة وقلب المؤمن دليله، لا بدّ لليل أن ينجلي، إيماننا عميق، ونعرف وجهتنا، ومتأكدون من انّ حقنا لن يضيع بهمة الشرفاء، نحن عملنا والتزمنا في خط المقاومة لأنّ الالتزام به واجب أخلاقي وشرعي وإنساني وقومي، لا نريد جزاء من أحد.
انتصرنا في الحروب العسكرية الدامية والقاسية ولن ننهزم أمام الرغيف، كثيراً من الوعي وقليلاً من الصبر فالنصر آتٍ لا محالة.