السياسة الصينية الثابتة فوبيا أميركية مستديمة
} السيد سامي خضرا
كان دقيقاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عندما صنَّف الصين في خطابه أمام الكونغرس كخصمٍ أول.
فالاهتمام الأميركي ببحر الصين وما حوله ليس بالشيء الجديد بل هو موروثٌ استعماري تجلَّى في حرب الأفيون الطويلة بشِقَيْها ولم يتوقف بل ليزداد مع التورُّط الأميركي بكلّ منطقة جنوب شرق آسيا وظهر ذلك واضحاً بعد الحرب العالمية الثانية وحروب الكوريَتَين وفييتنام خاصة أنّ هذه المنطقة باتت اليوم تضمّ ثلث سكان العالم وثلث ناتجه وثلث اقتصاده.
لذلك كان القلق الأميركي مُبرَّراً وليس مُستغرباً أو مفاجئاً لأنه قلق مُتشبِّث يجعل أميركا في حالة اضطراب وترقُّب دائمَين ويزدادان مع تنامي قدرات الصين بوتيرة ثابتة.
وهذا الخوف الأميركي كثيراً ما عبَّر عنه كيسنجر في أكثر من مناسبة.
ومن الثوابت الاستراتيجية في عقيدة الأمن القومي الأميركي أنّ هذا الأمن لا يبدأ من حدودها الغربية على سواحل سان فرانسيسكو بل عند الحافة الغربية للمحيط الهادئ وما بعده.
وبالمجمل فإنّ منطقة بحر الصين وما حولها تضمّ (وقد زُرت بعضها) ما لا يُحصى من الجزر والممرات الهامة والإستراتيجية والتي تُعتبر في عُرف اليوم منصات جاهزة لمختلف النشاطات العسكرية للدول الكبرى وليس أقلها نصب رادارات ومنصات صاروخية وقواعد عسكرية وما شاكل.
فهي مواقع جغرافية استراتيجية ذات منافع عديدة ولا يمكن التخلي عنها.
والشيء الجدير بالذكر والإعتراف أن التفوّق والتطوّر الصيني المتفاقم يبدو على الأقل بالمنظور الآني أنه لا يتوقف عند حدود ويكفي لذلك إصرارها مع حلفاءٍ لها على مشروع طريق الحرير والذي ليس من المبالغة القول إنه قد يكون أكبر مشروعٍ دولي لأنه يشمل ثُلث دول العالم ويُغطي 66 دولة من قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.
وفي الحصيلة الإجمالية نرى أنّ الصين لها تشبيكاتٌ عنكبوتية وصياغاتٌ وروابط هادئة لكنها واثقة وثابتة تجعل الحرب المباشرة عليها أشبه بالمستحيل ولا يكفي الإعتماد فقط على الطرق والقدرات التقليدية العسكرية والاقتصادية.
وهذا ما يجعل أميركا مُستنفَرة دائماً للحفاظ على تفوق قواعدها العسكرية والأمنية مع حلفائها في المنطقة كالفليبين وتايوان وهونكونغ وهي دولٌ مجاورة أو مشاطئة للصين .
فالحرب المباشرة شبه معدومة ولكن ما يعنينا نحن في غرب آسيا أنّ كلّ هذه العلاقة المُعقدة والتي تُعتبر مصدر «وجع راس» للأميركيين نحن معنيون بها مباشرةً، فهذه المنطقة منطقتنا والتي كانت تحت النفوذ الغربي الفرنسي والبريطاني وعانت وما زالت ثم انتقلت إلى الإرث الأميركي فكلّ تراجع على الساحة الصينية يُعتبرُ إنتكاسةً لنا نصيب منها ويصعب تعويضها، وفي المقابل كلّ زَلزَلةٍ للوجود الأميركي في غرب آسيا يُعتبر خسارةً إستراتيجيةً لا يمكن الإستخفاف بها.
وهذا ما يجعلنا نتوقف مَلِياً أمام المواقف المُعلنة لأعلى سلطة في الجمهورية الإسلامية والأمين العام لحزب الله في لبنان حيث الحديث المباشر ودون قفازات عن التواجد الأميركي في غرب آسيا.
ويجدر الحديث هنا من جهة أخرى عن الحضور الروسي الفاعل والمتصاعد في هذه المنطقة ضمن محور يزداد ثباتاً وحبكة وحنكة.
وهذا ما سوف يتظهَّر أكثر في الفترة اللصيقة المقبلة.