مصير «التطبيع الخليجيّ الخيانيّ» مع الكيان الصهيونيّ…!
د. جمال زهران*
تمّ إلغاء زيارة نتنياهو – رئيس وزراء الكيان الصهيوني – إلى الإمارات، والالتقاء مع محمد بن زايد (ولي العهد وصاحب السلطة الفعلية في الإمارات)، والتي كان مقرّراً لها صباح الأربعاء 10 مارس/ آذار 2021، من دون أسباب معلنة ورسمية، بعد أن كانت وسائل الإعلام قد دشنت الخبر، وضخمته، وأعطته أولوية كبيرة!!
وقد تردّد أنّ السبب هو عدم موافقة الأردن على فتح المجال الجويّ أمام طائرة نتنياهو، للمرور وصولاً إلى مطار أبو ظبي، رداً على عدم السماح من جانب الكيان الصهيوني، لقوافل أردنية بالعبور إلى القدس الشريف!! وقد يكون هذا السبب واهياً، وله بدائل لو أصرّ نتنياهو على الوصول إلى أبو ظبي، ويظهر الأردن، باعتباره القادر على تحدّي الكيان الصهيوني، في زمن عزَّت فيه إعلان المجابهة مع هذا الكيان، باستثناء محور المقاومة الذي هو في مجابهة مستمرة.
وقد يفسّر ما وراء هذه الزيارة الملغاة، أنها هدفت إلى دعم هذا «النتن..»، في الانتخابات؟ بعمل هذه الزيارة الاستعراضيّة الذي يسهم في زيادة درجات ونسب التأييد، لعلّ وعسى يستطيع أن ينفرد بتشكيل الحكومة «الإسرائيلية» بعد الانتخابات الرابعة وهي مسألة مستبعدة هذه المرة. وربما حسب توقعاتي أن يذهب «النتن..» من المشهد السياسي بل وإلى السجن، كما حدث مع ترامب الذي سقط سقوطاً مروّعاً في الانتخابات الأميركية. إلا أنّ الذي يؤثر أكثر على هذا «النتن..»، هو عدم حصوله على الدعم الكافي من الرئيس الأميركي الجديد بايدن، وبالتالي أصبح سقوطه مؤكداً.
وعلى الجانب الآخر، فإنّ محمد بن زايد، كان يهدف من وراء الزيارة إلى دعم موقفه لدى إدارة بايدن بالتقرّب من الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه (نتنياهو)، لتخفيف القيود والضغوط التي من المحتمل أن تفرضها إدارة بايدن، عليه، وذلك بعد إظهار الإشارات بمعاقبة السعودية ومحمد بن سلمان. فهناك اعتقاد سائد لدى دول الخليج أن من يتقرّب من الكيان الصهيوني، ويؤسّس العلاقة معه، ويطوّرها ويدعمها، فإنه قد كسب بذلك، بل وفاز بقلب أميركا، الحامية للكراسي والعروش في هذه البقعة الاستراتيجية المهمة بما تمتلكه من بترول خام وغاز!
إذن هناك مصلحة مشتركة بين كلّ من محمد بن زايد، و«النتن..»، من وراء إنجاز مهمة هذه الزيارة. إلا أنها فشلت وللمرة الثانية في إتمامها، وربما لن تتحقق في القريب العاجل، وربما تلغى للأبد، بعد سقوط نتنياهو في الانتخابات الصهيونية المقبلة، وهو أمر محتمل بنسبة غالبة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هو: لماذا كان هذا التدافع الخليجي، للتطبيع مع الكيان الصهيوني، في ظلّ نتنياهو، وفي ظلّ إدارة ترامب، التي رحلت، وجاءت إدارة بايدن، وما هو مستقبل هذا الاندفاع؟!
لا شك في أنّ الاندفاع الخليجي الذي بدأ بالإمارات، للتطبيع مع الكيان الصهيوني، جاء على خلفية تحقيق هدفين: أولهما: هو دعم ترامب في الانتخابات الأميركية للفوز بها واستمراره رئيساً، وبالتالي يتعزز موقع دول الخليج لدى الإدارة الأميركية لمدة (4) سنوات مقبلة. حيث أنّ قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو دعم للعلاقات مع الإدارة الأميركية مستقبلاً، في ظلّ ترامب بعد نجاحه!
وثانيهما: أنّ استحضار الكيان الصهيوني في منطقة الخليج عبر التطبيع معه، برعاية أميركية، هو خيار استراتيجي في مواجهة إيران. أيّ تصبح «إسرائيل» هي الحامية لأمن الخليج العربي في مواجهة إيران واحتمالات عدوانها – وهو أمر مستبعد طبعاً – ولكنها التبريرات الخليجية لعقد صفقات التطبيع مع الكيان الصهيوني. ومن ثم تتغيّر معادلات الصراع العربي الصهيوني، ليصبح صراعاً خليجياً صهيونياً إيرانياً»، في خدمة حاضر ومستقبل هذا الكيان الصهيوني الغاصب والمحتلّ لأرض فلسطين، وتدنيس بيت المقدس الشريف.
وقد تدافعت دول خليجية أخرى بعد الإمارات، هي البحرين بتأسيس علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، تحت الرعاية السعودية بطبيعة الحال. كما أنّ محمد بن سلمان، قد عقد لقاء مشتركاً مع نتنياهو، في منطقة «نيوم» على البحر الأحمر، وبحضور وزير خارجية أميركا في ظلّ إدارة ترامب (بومبيو)، قبل سقوطه!
ثم تدافعت دول أخرى هي (السودان والمغرب) للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بضغوط أميركية وخليجية، بوعود وصفقات! وقد أتت إدارة بايدن لتعصف بأغلب هذه الصفقات، ومنها إلغاء الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية!
وفي تقديري فإنّ هذا الاندفاع والتدافع الخليجي نحو الكيان الصهيونيّ بقيادة الإمارات ورعاية السعودية، ليس هناك ما يبرره على الإطلاق، ويسبّب خسائر كبرى في القضية الفلسطينية، الأمر الذي يسهم في تمزيق الكيان التنظيمي للدول العربية والممثل في جامعة الدول العربية، أكثر مما هي ممزّقة، كما أنه يسهم على الجانب الآخر في تقوية دعائم الكيان الصهيوني، بدعمه اقتصادياً، بلا مبررات سوى نزع الهوية العربية في مواجهة هذا الجسد الغريب من الأمة العربية. فضلاً عن أنّ تخصيص صندوق سيادي إماراتي لدعم الكيان الصهيوني، بمقدار (10) مليارات دولار، يؤكد هذه الخسائر، ويدعم نتنياهو في الانتخابات، بالإضافة إلى عمل مشروع طريق لنقل البترول والغاز الإماراتي إلى أوروبا عبر «إسرائيل»، من شأنه الضرر بقناة السويس المصرية! ويصبّ ذلك في تمزيق العلاقات، بل تمزيق التحالف السعودي/ الإماراتي/ المصري، حاضراً ومستقبلاً!
لذلك فإنّ هذا «الاندفاع الخيانيّ» رغم خسائره الضخمة، للطرف العربي والفلسطيني في القلب، ومكاسبه للكيان الصهيوني، فإنّ مصيره إلى تراجع بل وإلى زوال في ظلّ معطيات دولية وإقليمية، ولهذا حديث آخر آتٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.