ما هي رسالة موسكو لحزب الله؟
ناصر قنديل
– يقطع البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية حول زيارة وفد قيادي من حزب الله الى موسكو الشك باليقين، حول شمول المباحثات ما هو أبعد من الملف الحكومي اللبناني، كما حاول بعض اللبنانيين فهم الأمر أو تصويره، ولأن الزيارة لا تأتي بطلب من حزب الله بل بدعوة من موسكو، ولأن الدعوة تمّ توجهيها قبل شهر وتمّ تثبيت موعد الزيارة قبل أسبوعين، أي بما يسقط فرضيات متداولة عن صلة الزيارة بنتائج زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الى دول الخليج، وما تخللها من لقاء بالرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، أو من نقاشات للوضع في سورية، والدور العربي المفترض في الحل السياسي، يصير طبيعياً التساؤل عما تريده موسكو من حزب الله، وماهية الرسالة التي أرادت موسكو توجيهها للحزب، وعبر الزيارة للأصدقاء والخصوم والأعداء.
– تختلف الزيارة عن مشهد علاقة موسكو بحزب الله عمّا قبلها، فهي أول زيارة بعد وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، وهي زيارة لا تتصل ببحث تنسيق ميداني في سورية تقوم به لجان ثنائية بين الطرفين في سورية، بل هي زيارة تأتي بعد بلوغ التقييم الروسي لدور الحزب على خلفية التنسيق في سورية، بصفته شريكاً في مشهد إقليمي ممتد على مساحة المنطقة، وليس بصفته امتداداً لتحالف روسيا مع إيران، أو امتداداً لتحالفها مع سورية، والانفتاح عليه كقوة مستقلة تهتم موسكو لتوطيد العلاقة معها، بعدما كشف التعاون الذي جمع الطرفين في سورية للقيادة الروسية، أن حزب الله الحليف لسورية والحليف لإيران، ليس امتداداً وظيفياً لما يتم التفاهم عليه معهما أو مع كل منهما، كما كشف لموسكو أن في هذا التحالف قيمة مضافة، أولاً على الصعيد الميداني، بحيث أوصلت تجارب المعارك في سورية القيادة العسكرية الروسية بعد معارك حلب إلى اتخاذ قرار على أعلى المستويات، يربط الخطوات التكتيكية للمعارك ووجهتها وأهدافها وأولوياتها بتقدير الموقف الذي يصدر عن قيادة حزب الله، وصولاً لتفويض القيادة الميدانية لحزب الله بحق طلب المؤازرة الجوية مباشرة من سلاح الجو الروسي خلال المعارك من دون المرور بغرفة العمليات، وثانياً اكتشفت القيادة الروسية أن حزب الله في هذا التحالف هو قيمة مضافة سياسياً، فهو ليس قوة عسكرية عمياء، تجيد فنون القتال، ولا هو قوة عقائدية صماء، بل هو عقل سياسي استراتيجي يملك أهلية أخلاقية تتيح له القراءة الواقعية للتطورات والمتغيرات، من دون مبالغة عقائدية في التفاؤل او التشاؤم، ويملك قدرة براغماتية على رسم التكتيكات المناسبة من دون عقد، طالما أن الأمور ضمن دائرة فهمه لمعسكر الأعداء ومعسكر الحلفاء.
– تريد موسكو، كما يقول الخبراء، أكثر من مجرد التشاور والسماع والاشتراك في تقدير الموقف ورسم التكتيكات، فهي قد أنهت تقييم ما تحمله إدارة الرئيس جو بايدن من جديد في السياسة الدولية، وما يسعى إليه في الشرق الأوسط. كما أنهت رسم التصورات التي تعتقد انها ستحكم أداءها خلال المرحلة المقبلة، وجوهر التقييم والتصورات، يقوم على الاعتقاد الروسي بأن الحرب البادرة ستتصاعد بين موسكو وواشنطن، وأن مشاريع التسويات المفترضة في الشرق الأوسط، قد تعرف قدراً أعلى من الحيوية المفتقدة دولياً، لكن دونها الكثير من التعقيدات، وأبرزها مصاعب التوفيق بين أولوية الحفاظ على الحضور الأميركي المباشر وغير المباشر، ومقتضيات صناعة التسويات، سواء في اليمن او في سورية، وخصوصاً في الملف النووي الإيراني.
– تريد موسكو أن تقول لحزب الله وللحليفين الإيراني والسوري، أن ليس هناك صفقة روسية أميركية تطال قضايا المنطقة، وأن ليس لدى موسكو أوهام حول فرص التوصل لتسويات من فوق، أي على مستوى تفاهم روسي أميركي يعرض على القوى الإقليمية، وأن فرص التسويات عندما ترد ستكون بالقطعة، وربما يكون الملف النووي الإيراني أوفرها حظوظاً لخصوصية السعي الأميركي لتفادي امتلاك إيران مقدرات إنتاج سلاح نووي، وروسيا منفتحة على تشجيع كل فرص ممكنة، حتى لو لم تكن شريكة في صناعتها، وأن على حلفائها أن يطمئنوا إلى أنها لن تقيم تفاهمات من وراء ظهورهم أو على حسابهم، وأنها ستشجع أي تسويات منصفة في ملفات تخصهم يشعرون بإمكانية بلوغها، والأهم هو قناعة موسكو بأنها كما حلفائها بعيدون عن تسوية استراتيجية مع الإدارة الأميركية الجديدة، حتى لو نجحت بعض التسويات التكتيكية فهي ستتم على خلفية الخصومة الاستراتيجية، ولذلك يجب الحفاظ على التحالف الذي نجح خلال العقد الأخير بفرض تغيير جوهري في موازين القوى، والنظر لكل تراجع أميركي كثمرة لمتانة هذا التحالف.
– من موقع هذه النظرة تريد موسكو، أن تقول عبر زيارة حزب الله، لواشنطن وتل أبيب أن العلاقة بحزب الله ليست موضوع مساومة، وأن تقول لحزب الله إن على الطاولة معطيات يمكن النظر إليها من دون ريبة، ومناقشتها بعين التفحص الموضوعي للمصالح والفرص، مثل فرص تموضع خليجي جديد تجاه ملفي اليمن وسورية، وفرص تموضع تركي جديد تجاه سورية وربما لبنان، ومثل فرص بلورة رؤية استباقية لما يمكن أن يشكل الإطار الإقليمي لدور حزب الله في المرحلة المقبلة، على خلفية التعاظم في مكانته في المنطقة كمرجع لحركات المقاومة.