فلسفة التنمية الجديدة للصين تجربة ملهمة للعالم
مع تسليطها الضوء على أهمية بذل جهود لتحقيق تنمية عالية الجودة وتعزيز نظام اقتصادي أخضر ومنخفض الكربون ودائري، أكدت الصين على ضرورة تحسين رفاهية الشعب خلال المناقشات التي عُقدت مؤخراً في إطار الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية في البلاد.
وانصب اهتمام الخبراء العرب على تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال تلك المناقشات على أهمية العمل على دمج التنمية عالية الجودة مع الجهود المبذولة لتحقيق تطلع الشعب إلى حياة أفضل، حيث رأوا أن هذا المسعى برز بوضوح خلال جهود الصين للقضاء على الفقر ومكافحة كوفيد-19 ودفع التعافي الاقتصادي وتحسين نظامي الصحة والتعليم والنهوض بالابتكار وغيرها من المجالات الاجتماعيّة.
وخلال المناقشات، كان موضوع الحفاظ على النتائج الإيجابية التي تحققت في القضاء على الفقر وتحسين رفاهية الشعب من أهم الموضوعات التي جرت مداولات بشأنها خلال الدورة السنوية. فقد أكدت الصين على ضرورة بذل جهود لتعزيز مناطق الضعف في رفاهية الشعب وتلبية المتطلبات الرئيسية لحياة الشعب بثبات وتحسين توافر وجودة الخدمات العامة الأساسية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون الافريقي الصيني للتنمية في المغرب، إنه «خلال الأربعين سنة الأخيرة، تمكنت سياسات الدولة الصينية من انتشال ملايين المواطنين الصينيين من تحت خط الفقر»، ويعتبر هذا «بذاته إنجازاً عظيماً للإنسانية جميعاً، وسَيُسَجَّلُ بحروف من ذهب في تاريخ البشرية».
و»أثناء مقامي في الصين، عاينت بشكل ملموس كيف تنعكس مختلف السياسات على المواطن البسيط، وتخفف عنه أعباء التطبيب، والتعليم والخدمات، مما يمكنه من تخصيص مدخوله في تحسين جودة معيشته وتحفيزه على أن يتطوّر من أحسن إلى أحسن»، هكذا ذكر الدكتور بوشيبة.
وفي الواقع، تبذل السلطات المحلية جهوداً لتعزيز التنمية المنسقة بين مناطق الريف والحضر ودفع النهوض الريفي على كل الجبهات وتحسين رفاهية الشعب وبناء ريف اشتراكي جديد يتسم بالجمال والازدهار والتناغم.
وقد ركزت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة القاهرة والمتخصصة في الشؤون الآسيوية، على السياسات الصينية قائلة إن «الصين زادت هيكل دخل المواطنين في المناطق الريفية، وإن النمو الاقتصادي المتسارع وخاصة التنمية الزراعية والريفية والنمو الاقتصادي القوي وطويل الأمد من العوامل الرئيسية التي ساعدت في الحد من معدلات الفقر عن طريق خلق فرص العمل داخل وخارج الصين».
وأشارت الدكتورة نورهان الشيخ إلى «سلسلة من السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لتنمية المناطق الريفية بدءاً من تحسين الخدمات الأساسية وتخصيص مساعدات مالية للفقراء وصولاً إلى زيادة الاستثمارات المالية المحلية وتشجيع التمويل المحلي والمركزي، حيث رأت أن السياسات الصينية في هذا الصدد مفيدة و»إنها تجربة ملهمة للعالم».
ومع استمرار المكافحة العالمية لمرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد– 19)، تابع الخبراء العرب عن كثب آخر المستجدات والمناقشات المتعلقة بالرعاية الصحية والخدمات الطبية. فقد أكدت الصين على أهمية إعطاء «أولوية استراتيجية» لحماية صحة الشعب، وأوضحت أن الوقاية هي الإستراتيجية الصحية الأكثر اقتصاداً وفعالية.
ومن جانبه، أشاد عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مفوض العلاقات العربية والصين في الحركة بجهود الصين في إصلاح وتحسين نظام الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها، حيث قال إن «الصين تتبع فلسفة صحة الإنسان أولاً وهذا حرص منها على ضرورة حماية الشعب من أي أمراض أو فيروسات سواء الحالي كورونا أو أي فيروسات أخرى قد تهدّد البشرية في المستقبل».
وفي الإطار نفسه، ذكر الكاتب الأردني المتخصص بشؤون الصين والعلاقات الصينية العربية سامر خير أحمد أن «الصين قدمت نموذجاً مهماً لمحاربة الوباء، وذلك على المستويين الدولي والمحلي. فعلى المستوى المحلي الداخلي، نجحت الصين من خلال جهود حثيثة في وضع البلاد على طريق التعافي، من حيث إجراءات الحجر الصحي الصارمة، وتتبع انتشار الفيروس، والموازنة بين البعدين الاقتصادي والصحي في إدارة هذه الأزمة، بحيث يتواصل العمل والإنتاج وينحسر تأثير الوباء على سُبل معيشة الناس في البلاد».
أما على المستوى الدولي، فقد أكد سامر خير أحمد أن «الصين أظهرت شعوراً بالمسؤولية تجاه العالم في المساعدة على مكافحة كوفيد-19 وقدمت العديد من المساعدات لدول العالم، بما في ذلك الدول العربية، كما ساهمت في اكتشاف حل طبي للوقاية من الفيروس عبر تطوير لقاح خاص فعال». ورأى أيضاً أن «جهود الصين وإنجازها في مكافحة كوفيد-19 تثبت إيجابية التخطيط الصيني وشموليته في جميع المجالات الاجتماعية».
ومن ناحية أخرى، حظي تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة فهم «فلسفة التنمية الجديدة» وتطبيقها على نحو كامل ومخلص، باهتمام بالغ وتأييد كبير من الخبراء العرب.
فقد أشار عباس زكي إلى أن «الصين تسعى منذ سنوات لإحداث نقلة نوعية للدولة وأن التطور العلمي والتنمية المستدامة أمران ضروريان من أجل تحقيق تطلع الشعب إلى معيشة أفضل»، مضيفاً أن «دول العالم تنظر إلى الصين كنموذج من العقلانية وبناء الطريق والإعمار الذي يحقق الرفاهية للشعوب كما يحقق التعاون لتعم الفائدة على الجميع». وأشاد في الوقت ذاته بـ»سعيها للوصول إلى نظام خدمات تعليم عام أساسي عالي الجودة ومتوازن يخدم الصين وسكانها في محاربة الجهل والفقر وكذلك يصبح الأمر نموذجاً لدول أخرى».
وفي السياق نفسه، أكد الدكتور بوشيبة أنه «منذ انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح، ما فتئت الصين تعمل على تحسين نمط التنمية مع مراعاة خصوصيات كل منطقة، وهذا ما يعتبر من أهم نقاط القوة في الاقتصاد الصيني».
كما لفت إلى أن «فلسفة التنمية الجديدة» التي ناقشتها الصين هي استمرار لمجهودات الحكومة الصينية من أجل تقوية الطلب الداخلي لتعويض عدم استقرار بعض الأسواق التقليدية وخلق فرص جديدة للشراكة الخارجية عبر مبادرة الحزام والطريق التي لاقت ترحيباً واسعاً في الدول المتقدّمة والدول السائرة في طريق النمو على السواء. فـ»الجميل في الأمر أن كلاً من المؤسسات العمومية والشركات الخاصة والمؤسسات الاجتماعية ساهمت بشكل مباشر في تأسيس هذا النمط الجديد من التنمية القائم على «التداول المزدوج»، والذي بدأ تأثيره الإيجابي ينعكس بالفعل على رفاهية الشعب الصيني الصديق»، هكذا قال الدكتور بوشيبة.