دور الأجهزة الإعلاميّة في تعزيز المواجهة الثقافيّة
ميساء سرحان سيوفي
من منا لا يتذكر التفاف أفراد العائلة حول جهاز التلفاز والانتظار بشغف عرض أحداث حلقات المسلسل المفضل لأفراد العائلة وبالأخص خلال شهر رمضان الكريم؛ الأكيد أن الكثير منا كان ينتظر بفارغ الصبر عرض حلقات مسلسل «رأفت الهجّان» في حقبة الثمانينيات، حيث أحداث المسلسل كانت ترفع من معنويات أفراد المجتمع لما كانت تمر به أمتنا العربية من أحداث مأساوية. وكأن هذا المسلسل كان باعثاً للأمل في نفوس أبناء الأمة وبأن لا بد من أن تنتهي المأساة إذا امتلكنا الشجاعة في مواجهة المسبب الأول لهذه المأساة.
لقد تغيّرت أولويات معظم الأجهزة الإعلامية كثيراً عما كانت عليه في الحقبة الماضية، أي أنها لم تعد تولي أهمية للدور الذي تلعبه في تكوين الثقافة والمعرفة المهمة لدى أفراد المجتمع، بل بدأت بالتوجّه أكثر فأكثر الى كيفية استغلال الإعلام من أجل تحقيق أهداف تجاريّة والحصول على الربح السهل والوفير. كيف لا، وقد تبيّن من الدراسات التي أجريت أن معظم الأفراد يقضون ما بين الست أو سبع ساعات يومياً بين مشاهدة التلفاز والتصفح على الإنترنت بواسطة جهاز بحجم اليد، وأقصد هنا جهاز الهاتف الذكي.
هذا التغيير الجديد عبَد الطريق أمام مؤسسات مختلفة من الأجل الاستثمار في الإعلام لأهداف مختلفة تنوعت بين التجارية والسياسية.
إذاً فتحت أمام الشركات التجارية والمؤسسات سوق جديدة أفضل وأنجع وأقل تكلفة للتسويق والترويج لمنتوجاتها ومعها ظهر النمط الاستهلاكي للفرد عبر جذب انتباهه لكل ما يعرض عليه كي ينتهي به المطاف كمدمن على مشاهدة التلفاز واستخدام الجهاز الذكي وعلى كل ما يعرض من خلالهما.
بالإضافة الى اهتمام الشركات التجارية بالربح الوفير بمجرد أن جلس الفرد لمشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت، تيقظت المؤسسات الإعلاميّة لأهمية انضمامها لحفلة التأثير على الفرد واستغلال هروبه للاسترخاء عبر مشاهدة التلفاز أو تصفح الإنترنت من أجل أيضاً أن تحقق الربح الوفير من دون الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية التي قد تنتج من جراء عرض برامج تهتم حصراً بتحقيق أهداف (سواء إن كانت تجارية أو سياسية بالمناسبة) ودغدغة مشاعر وغرائز الإنسان على حساب اكتساب معرفة جديدة وتنمية الوعي والإدراك لديه. مع تغير أولوية الأجهزة الإعلامية، تأثر معها مزاج الأفراد في المجتمع، وتغيّرت اهتماماتهم لمواكبة العصر الحديث والانضمام الى العالم الجديد.
هذه المتغيرات تشير الى أهمية دور أجهزة الإعلام في لعب دور مهم في التأثير في الفرد وصناعة الرأي العام، وبالتالي يُمكَنه من الحصول على المعلومات حول ما يدور من حوله من أحداث محلية وعالمية. وبما أن هذا الدور يؤثر بالمحصلة في تنمية إدراك الفرد وتكوينه لفكر وهوية ثقافية وفرد قادر على الاستنتاج. لذلك فإن من واجب المؤسسات الإعلامية التيقظ الى أهمية تغليب الحس الوطني والقومي على الربح المالي.
بالطبع هناك مؤسسات إعلامية تنبهت لهذا التغيير السريع والمخطط له وكثفت جهودها من أجل تثقيف المجتمع والعمل على نشر الوعي من خلال بث كل ما هو مهم من معلومات لتعزيز الإدراك لدى الفرد ويُمكَنه من تحليل كم المعلومات المقدّمة إليه والاحتفاظ بها كمعرفة من أجل تكوين مبادئ جديدة. وبالطبع لم ينسوا الأطفال من هذا الواجب، حيث حاولوا تقديم برامج مفيدة تجذبهم للمعرفة وتنمي لديهم هوية ثقافية مهمة.
لا شك في المقارنة بما يتم عرضه على المجتمع من برامج في أيامنا هذه وبين ما كان يعرض في الحقبة الماضية، لا يسع المتابع إلا أن يلاحظ الفرق الشاسع بين الأهداف التي يراد الوصول اليها من وراء عرض برامج كهذه ومدى تأثيرها على مجتمعاتنا. فبات الأفراد يولون أهمية وينجذبون الى البرامج التي تعزّز الشعور بالراحة والاسترخاء والهروب من الواقع وإغفال أحداث مهمة تدور من حولهم، ظناً منهم إن لم يكن لديهم المعرفة فسيعيشون بسلام وتختفي مآسي منطقتنا من تلقاء نفسها. أنماط كهذه من البرامج في معظم الأحيان تعزز مشاعر وهمية لا أهمية لها على أرض الواقع ولا يمكن ترجمتها لأنها غير حقيقة وغير ذات قيمة، والهدف منها هو استغلال المشاهد أو المتصفِّح لاعتماد النمط الاستهلاكي في حياته واللهث وراء جني الأموال للحصول على كل ما تقع عيناه عليه ويشتهيه. وبالتالي عدم الالتفات الى ما هو مهم ومحوريّ في حياتنا إلا من رحم ربي.
إما وقد باتت أمتنا على مفترق طرق وربما عامل الوقت ليس في صالحنا بسبب تسارع الأحداث، بات لازماً تغيير المسار في معظم المؤسسات الإعلاميّة من أجل نشر الوعي وتعزيز المواجهة الثقافية واستعادة الهوية وبث الروح القومية والحس الوطني. ربما حان الوقت للعمل على إنتاج مسلسل «رأفت هجان» جديد بقصة مقتبسة عن أحداث حقيقية لشخصية حقيقية أو عبر الإضاءة على أبطال حقيقيين وما أكثرهم في أمتنا كان لهم التأثير الكبير في تاريخ الصراع في منطقتنا وليس عبر عرض وتبجيل أبطال من ورق!