حرب الطوائف تعرقل لبنان
} د. وفيق إبراهيم
لبنان في أزمة ضخمة، تسببت بها أزمات الطوائف، بسبب إصرار قياداتها على الإمساك بإدارة الصراعات بين قوى طوائف تعتقد أنه من الممكن أن تحسم الاشتباك الداخلي اللبناني لمصلحتها.
وهذا بالطبع صعب جداً للتعقيدات الكبيرة في أزمات لبنان بجوانبها الداخلية والإقليمية والدولية.
فقسم منها إقليمي تمسك به إيران وسورية وحزب الله وربما قوى خارجيّة أخرى، فيما تصادره قوى أخرى وتضعه في خدمة امتيازاتها الدولية والمحلية والاقليمية.
هذا هو لبنان الذي يلجأ لإمكاناته الداخلية المرتبطة بالخارج لتشكيل مراكز قوة أساسية تعيد إنتاج الصراع اللبناني الأساسي المتراكم حول قواعد الطوائف والمذاهب، مروراً بمصر وعلى متن جزيرة العرب محاولاً أيضاً الإمساك بإيران بأشكال مختلفة.
لبنان اذاً في قلب هذا المخطط الخبيث إنما مع إشكالات إضافية وعميقة تعود اسبابها الى ازدياد تعثر نظامه الاقتصادي والمالي.
فموازنته تتعرّض لإرباكات عميقة جداً والخلافات السياسية والاقتصادية بين قوى نظامه السياسية تكاد تشهر إفلاسه، هذا بالإضافة الى الخلافات السياسية العميقة التي تضرب المسيحيين بالمسيحيين والقوى الطائفية الأخرى بما يواجهها في الطوائف الاخرى المقابلة.
لكن للبنان خصوصيات إضافية من المتاعب تزيد محنته، وتجعله أكثر تعسراً من سورية وإيران وشبه جزيرة العرب وحتى اليمن والعراق وتكاد شمال أفريقيا تعادله في درجات التراجع والعوز.
هل ينجح لبنان في مشروعه؟ الإصرار اللبناني على منافسة المشروع السعودي – التركي – يستند الى الدعم الفرنسي، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى التطور الأميركي والصعود الروسي. وهذه عناصر أصبحت واضحة ولها أهمياتها في حركة الصراعات الإقليمية.
وهذا يمنح لبنان دوراً إقليمياً وازناً بدءاً من إيران وحتى أعالي سورية، لكن هذا الدور اللبناني لا يمرّ إلا عبر البوابة السورية والدور الفرنسي الشرق الأوسطي.
فهل ينبثق حلف فرنسي – سوري – لبناني بداعي الضرورة والحاجة القصوى ولمَ لا؟ فالتحالف من هذا النوع يستولد قوة إقليمية تزيد من قوة سورية ولا تضعف لبنان وقد لا تؤذي «إسرائيل»، يكفي أن شرق الفرات المليء بالغاز والنفط والماء، يمنح سورية مزيداً من العافية والإمكانات وبإمكانه صد القوات التركية – العثمانية الأميركية مع القدرة على التصدي لداعش والنصرة مانحاً الدولة السورية إمكانات إضافية للتصدّي لهذه القوى الإرهابية المدعومة من الأميركيين والاتراك والخليج حتى الآن وبشكل قوي جداً.
هناك اذاً دعم كبير من الأميركيين وحلفائهم والإرهاب للقوى المعادية للدولة السورية.
فهل بإمكان لبنان الالتحاق بهذا المحور؟
من المؤكد أن بإمكانه الالتحاق، خصوصاً مع المرونة التي يمتلكها في موضوع الارتباطات الطوائفية والعلاقات مع الخارج، فلبنان بوسعه جذب الفرنسيين والسوريين وكثير من قوى شرق الفرات، كما أن بإمكانه التحالف مع القوى السورية الأساسية في نواحي دمشق وملحقاتها.
لبنان اذاً ليس عاجزاً عن تشكيل حلف مع دمشق يستند الى قوة أساسية لا تذهب فقط باتجاه السيطرة على لبنان كالأيام الخوالي.
فالمتغيرات الإقليمية والدولية متسارعة بشكل أصبح بوسع لبنان أن يلتحق بحلف فرنسي سوري وصولاً الى حدود إيران، وهذا يمنحه انفراجات في علاقاته حتى مع الأميركيين، وربما الروس الذين يبدو على استعداد كبير لدعم لبنان في علاقاته الإقليمية والدولية.
فهل معقول أن يجذب لبنان الأميركيين والروس والفرنسيين والإيرانيين والسوريين في آن واحد؟
بإمكان بلاد الأرز ان تفعل ذلك، نظراً لإمكاناتها الواسعة وانفتاحها نحو الخليج والجزيرة واستفادتها من الصراعات الدولية الواسعة.
إن جائحة كورونا وما أدت اليه من انسداد في العلاقات الدولية، فتحت الطريق للبنان على معارج شتى.
بذلك يتبين ان لبنان قادر على الانفتاح على الإقليم وأوروبا ببراعة لا مثيل لها للأسباب المذكورة أعلاه، وبمعونة من قوى الخارج التي بإمكانها رعاية هذا الخروج الذي يفترض أن يكون آمناً.
هناك مشكلة كامنة، وهي أن تحرك الطوائف في لبنان إنما يتم عبر رعاياتها الخارجية اي السعودية وتركيا للسنة وفرنسا للموارنة وإيران للشيعة.. وهكذا دواليك.
لكن الصراعات الفرنسية مع الخارج قد تسهم بتعطيل علاقاتها الدولية، خصوصاً في الشرق الاوسط. وهذا شأن أميركي روسي بإمكانهما العثور على حلول لهم.
فهل ينجح العماد عون في تأسيس معادلة تنقذ معادلة السلطة في لبنان؟ وهل يعثر الحريري على غطاء سعودي لهفواته؟ حتى الآن سجل الحريري عجزاً عن العثور على بدائل، ولا يبدو ان السعودية هي البديل العربي الخليجي النفطي، لكنه لن يستمرّ في هذا الإخفاق وقد لا يتأخر في تأمين البديل المطلوب الذي يؤكد ان الصراعات الفرنسية الخليجية الإيرانية التركية، عائدة بقوة الى مسرح الصراعات في المنطقة، مليئة بالصراعات النفطية والطائفية والعرقية ومن كل اتجاه.
