لماذا الحرب على التدقيق الجنائيّ؟
بشارة مرهج _
في ظلّ سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها حاكم البنك المركزي وجمعية المصارف لرفع نسبة التضخم وخفض سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار بغية تحجيم خسائر المنظومة المصرفية على حساب المواطن ومدخراته، أثبت اجتماع بعبدا فشله في التصدّي للتطورات الدراماتيكية التي هزّت الأسواق بعد أن ركز الاجتماع على معالجة عوارض الأزمة من دون التوجه الى جذورها المتمثلة برفض الحاكم وجمعية المصارف وأركان الطبقة الحاكمة الاعتراف بمسؤوليتهم المشتركة عن الانهيار الحاصل ورفضهم مجتمعين تبنّي أيّ خطة واضحة ومبرمجة لإصلاح الوضع المالي والنقدي بالتعاون مع جهات ومؤسسات عربية ودولية أبدت استعدادها لمساعدة لبنان إذا قرّر حكامه سلوك درب الإصلاح ومساعدة «بلدهم».
وقد أثبتت نتائج الحملة الاستثنائية التي اعتمدها اجتماع بعبدا أنّ المشكلة ليست فقط في المنصات والصرافين وإنما في مرجعياتهم السياسية والمالية التي تتنكّر كل يوم لوعود تقطعها وترفض إجراء أيّ إصلاحات تدّعي تبنّيها فيما هي تصرّ على السير في عملية تدمير البلد وسحق اقتصاده وإذلال أهله.
ومن أبشع الظواهر التي يشهدها الواقع اللبناني المتفجر وقوف سلطة التشريع والرقابة موقف المتفرّج من تعنّت السلطة النقدية واستمرارها في رفض التحقيق الجنائي والتأجيل واصطناع الأعذار الواهية التي لم تعُد تُقنع أحداً، خصوصاً بعد الارتفاع الجنوني لأسعار الصرف وتلاشي ما تبقى من ثقة بحاكم البنك المركزي الذي امتهن طيلة الفترة الماضية إغراق المنصات الإعلامية بوعود تتساقط اليوم كأوراق الخريف.
إنّ التسويف والمماطلة في السماح لشركة «ألفاريز ومارسال» إجراء التحقيقات الجنائية في حسابات البنك المركزي وسواه من المؤسسات لم يعُد من الجائز وضعهما في خانة الرأي والاجتهاد وإنما في خانة طمس الحقائق وتجهيل الفاعل في محاولة مكشوفة لتغييب الحقائق وإسقاط مبدأ المساءلة والمحاسبة وتجاهل القوانين التي يصدرها مجلس النواب واعتبارها مجرد نصوص لرفع العتب أو شراء الوقت لمنظومة ولغت في المال العام والخاص حتى الثمالة. وكلّ ذلك إنْ دلّ على شيء فإنه يدلّ على وجود نيّات مبيتة لدى هذه المنظومة المالية – المصرفية – السياسية للإفلات تماماً من المساءلة وجرّ البلاد الى مرحلة الانهيار الكامل مستفيدة، من تردّد قوى المعارضة ودعم لجنة المال والموازنة وسائر أركان الطبقة الحاكمة التي ساءها تمسك رئيس الجمهورية بورقة التدقيق الجنائي وإصراره على وضعها موضع التنفيذ تحت كلّ الظروف.
وبعد أن أثبتوا فشلهم الذريع على صعيد الفعالية والعدالة وحقوق الإنسان في لبنان، حان الوقت أن يتقدّم حاكم البنك المركزي وجمعية المصارف باستقالاتهم من مناصبهم لإفساح المجال أمام غيرهم لتحمّل وزر التركة الثقيلة التي خلّفوها.
*نائب ووزير سابق