على طريقة خيول العرب في الجاهلية… الشعب مفروز بين الأصيل واِلهجين
} علي بدر الدين
من عادات العرب في الجاهلية، إذا تكاثرت خيولهم، واختلط عليهم أمرها، وأصبحوا لا يفرّقون بين أصيلها وهجينها، كانوا يجمعونها في مكان واحد، ويمنعون عنها «العلف» والماء، ويوسعونها ضرباً، وبعد ذلك يأتونها «بالطعام» والماء. تنقسم الخيول تلقائياً إلى مجموعتين، واحدة تسرع إلى الأكل لأنها جائعة، وغير آبهة بما فعلوا بها، بينما المجموعة الثانية، تأبى الأكل والشرب من اليد التي ضربتها وجوّعتها وأهانتها.
بهذه الطريقة، كان العرب في الجاهلية يميّزون بين أصيل الخيل وهجينها.
هذا هو حال لبنان وبلائه، حيث يكثر الهجين بين الشعب والحكام على مستوى الخيل او الخيالة.
الأسوأ أنّ الفرز الشعبي المزمن، الذي تجدّده الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، لم يكن يوماً لصالحه أو لصالح المجتمع والدولة والوطن والشعب، الذي يزداد تقهقراً وفقراً وتراجعاً، والطبقة الحاكمة منذ عقود، تزداد ثراء، وسلطة ونفوذاً ونهماً وسطوة، لأنها نجحت بساديّتها واستبدادها وجشعها في تدجين وتهجين معظم الشعب المسكين، الذي رغم ما حلّ به وما يتعرّض له من ضرب وإهانة وذلّ وقهر وحرمان وجوع، يطأطئ رأسه، ويمارس هوايته بالطاعة العمياء والتبعية والارتهان عند كلّ وعد، وأمام كرتونة «إعاشة» او قرار سلطوي لا يمكن تنفيذه، ولا يعدو كونه جرعة تخدير مغمّسة بكذبة معسلة، وينسى هذا الشعب أو أكثره، صوت سياط الجلاد والوجع الذي أصابه، والندوب التي ارتسمت على جسده الهزيل، وتحوّلت مع الأيام إلى علامة فارقة.
في حين أنّ الأصلاء على قلتهم هم من يرسم مستقبل الوطن المنشود وإنْ كان مكلفاً جداً ودونه تضحيات جسام.
إنّ فراعنة الطبقة السياسية، نقلوا بأمانة ودقة طريقة العرب في الجاهلية في فرز خيولهم، وأسقطوها بإحكام، على هذا الشعب الذي استجاب لهم من دون خجل أو استحياء أو أقله لحفظ ماء الوجه، ما حفزهم على مزيد من «الفرعنة» والظلم والاستبداد والفساد والتحاصص والسطو على أموال الدولة والشعب، الذي يبدو أنه لم يتعظ أو يتعلم من التجارب المرة والقاسية التي تعرّض لها وأصابت منه مقتلاً وفقراً وجوعاً ومرضاً وذلاً، منذ أن تكوّن النظام السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي والتحاصصي، الحافل سجله بالفتن والحروب والصراعات والسمسرات والمتاجرة بحقوق اللبنانيين في كلّ العهود والحكومات المتعاقبة.
هذا الشعب الذي يذبح اليوم، ويفقر ويجوّع ويُهان ويُعلق على «حبال الهواء» لا يجرؤ على قول لا لمن أغرقه وأذلّه وانتزع اللقمة من فم أطفاله، ولا هو قادر على الخروج من جلابيب المتحكّمين بأمره ومصيره، وقد خلد إلى النوم باكراً، متوكلاً ومتكلاً على خناقيه ليعيدوا له قليلاً مما سلبوه منه، و»عشمه بهم كعشم إبليس في الجنة».
حتى لا نظلم كلّ الشعب، فإنّ بعضه، «نجح» في قطع الطرق وإشعال الإطارات، والبعض الآخر استفاق وأظهر «شجاعة موصوفة «في التعارك و»الهيجان» في الأماكن التجارية للحصول على حاجته، التي هي أساساً من حقه، لأنه يدفع ثمنها من تعبه وعرق جبينه، كما وقوفه ذليلاً أمام محطات المحروقات وغيرها، وقد سهّل بسلوكه هذا، عن قصد أو من دونه، عملية الفرز لفراعنة أو نيرون العصر بين الهجين منه والأصيل، الذي يبدو أنّ خياره في المواجهة يكمن في انتظار طويل لما ستؤول إليه الأمور، أو أنه ينتظر ضعف قوى السلطة وسقوطها وهو خيار مؤجل، وربما غير مطروح محلياً وخارجياً. وهنا يصحّ المثل «وتخبزوا بالأفراح» التي لم يحن أوانها، ولن تكون في المتناول قبل جولات وصولات ومؤتمرات وتفاهمات وتوافقات ومصالحات تتخطى حدود الوطن إلى الإقليمي والدولي وهي لم تبدأ بعد.
على هذا الشعب، عدم انتظار المجهول منه، المعلوم من قوى محلية سلطوية ومالية واقتصادية ونقدية، لا ترى سوى مصالحها وحماية ما راكمته من ثروات وما كسبته من امتيازات، والرهان عليها خاسر وخاطئ، ومفتاح ولوج الحلول والخروج من النفق الأسود، يكون بعودة الشعب بغالبيته، إلى أصالته المعهودة، وبعدم الركض خلف الوعود والأكاذيب والأوهام والسياسات الخادعة والخاطئة التي لم تجلب له سوى العار والذلّ والفقر والمهانة، وعليه أن يقول كلمة الحق بصوت عال وبجرأة غير مسبوقة، وبفرملة انجرافه غير المحسوب إلى الفخ المنصوب له، وتحويله إلى مجرد آلة لطحن الأكل، ولا همّ له سوى انتفاخ بطنه لإيصاله إلى المثل القائل «عند البطون تضيع العقول»، وتضيع الحقوق ويضيع الوطن وقارب النجاة.
ويسأل الشيخ القبيسي العاملي، «ألم يحن أوان أن يفهم هذا الشعب ما يجري بين الطبقة السياسية العليا»؟ و»عليه ألا يكون وقوداً لخلافات ونكايات داخلية، لن تجلب له، إلا الغرق في السلبية، والضيق الاقتصادي والضغط النفسي والمزيد من الأزمات والمشكلات». وقال: ما يحصل في الشارع لا جدوى منه، لا الآن ولا في المستقبل، وقد بدت واضحة هوية الفريق السياسي الواحد الذي يتحرك على الأرض، وله أهدافه وطموحاته التي لا تمتّ بصلة إلى وجع الناس، واستغلاله لهذا الوجع كمنصة لتصويب السهام إلى الطرف الآخر، وتحريك الغرائز الطائفية للبيئة الحاضنة وسوقها لتبني خطاب التدويل والحياد».
ونضيف، انّ السياسيين في لبنان، كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول، فاحذروهم وعودوا إلى وعيكم وأصالتكم ووطنيتكم قبل السقوط في هاوية لن تطلعوا منها أبداً، ولا ينفع بعد ذلك الندم.