رياضة

كنت أبيع حياتي

 

أُقيمَ في حيّنا سوقٌ متخصّصٌ ببيعِ كلّ ما هو مُستعمَلٌ من ثيابٍ وأثاثٍ للمنزلِ وأدوات كهربائيّةٍ وغيرها

بدأ العديدُ من سكّانِ الحيِّ بعرضِ ممتلكاتهم المُستعملةِ أمامَ العامّةِ

 بعضهم لشراءِ بديلٍ جديدٍ وبعضهم الآخرَ لحاجته إلى المالِ

لم يخطرْ في ذهني أنْ أشاركَ جيراني إلّا بعدَ مرورِ أيّامٍ عدة من التردّدِ

فأنا لا أحتاجُ إلى المالِ إلّا أنّه ينبغي عليّ أنْ أبيعَ شيئاً أملكهُ لأقتني عوضاً منه ما هو جديدٌ

فبعض الأمورِ في حياتنا لا نستطيعُ أنْ نتملّكَ منها إلّا نسخةً واحدةً!

وفعلاً اتّخذتُ زاويةً صغيرةً على أحدِ أرصفةِ السّوقِ

فما أودُّ بيعهُقليل!

وقفتُ خجِلةً من بضاعتي المعروضةِ، مرّتِ السّاعاتُ بثقلٍ كبيرٍ

فبالرغمِ من اكتظاظِ المكانِ بالنّاسِ لم يسألني أحدٌ عن سعر بضاعتي!

هم كانوا فقط يمرّونَ مندهشينَ ممّا يرونهُ أمامي

يتبادلونَ بضعَ كلماتٍ بصوتٍ خافتٍ والحيرةُ تعلو وجوههم ثمّ يُكملونَ طريقهم ليشتروا من غيري

تملّكني الفضولُ وأغرقتني أمواجُ الحيرةِ

وبدأتُ أتساءلُ بيني وبين نفسي:

لماذا لم أُسأَل ولا حتّى مرّةٍ واحدةٍ عن سعرِ بضاعتي؟!

وبدأ صبري ينفدُ، حملتُ بضاعتي بين يديّ

وسارعتُ إلى جاري العجوزِ الذي لا تفصلني عنه سوى بضعة أمتارٍ

وقفتُ أمامه وقبل أنْ أتفوّه بحرفٍ واحدٍ

قال لي:

أعرف لماذا أتيتِ إليّ وفي الحقيقة كنتُ أنتظرُ

مجيئكِ

يا ابنتي:

النّاسُ هنا بسطاءٌ أتوا إلى هذا المكانِ بسببِ زهدِ ثمنِ الأشياءِ المستعملةِ

ومن الواضح أنّكِ تودّين بيعَ ما هو جديدٌ

فخاف النّاسُ من غلاءِ سعرِ ما تعرضينهُ عليهم

ألا تملكينَ شيئاً مستعملاً لبيعهِ يا ابنتي؟!

شعرتُ بأنّ قلبي يتمزّقُ لتتطايرَ أشلاؤه خارجَ جسدي

وتمطرَ ألماً على الكونِ بأكملهِ

كيف سأشرحُ له أنّني لستُ بحاجةٍ إلى المال،ِ ولكن يتوجّبُ عليّ بيع حياتي غيرِ المستعملةِ هذه علّني أحظى بأُخرى!!!

ظلَلْتُ صامتةً بينما أجابتْ أدمعي عوضاً منّي

ورجوتهبصوتٍ يئنُّ من الاختناقِأنْ يقبلها منّي هديّةً لأنّني أثقُ بخبرتهِ في استعمالها

تلك الخبرة التي لم أمتلكها قط

كما أنّه بالتّأكيد أحوجُ إليها منّي!!!

ريم رباط

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى