رياض سلامة… دقت ساعة الحقيقة والحساب!
} أحمد بهجة*
حين يجد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفسه مربكاً في الإجابة عن أيّ سؤال محرج يُطرح عليه عن الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية التي يتخبّط فيها لبنان، فإنه لا يجد مهرباً إلا القول بأنه كان يُنفذ تعليمات الحكومات المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الماضية، لأنه خاضع للسلطة التنفيذية وعليه تنفيذ ما يصدر عنها من قرارات وسياسات.
حسناً… طالما أنه محكوم على أمره ولا مجال أمامه إلا تنفيذ ما تريده السلطة التنفيذية، لماذا تغيّر الأمر بعد 17 تشرين الأول 2019، ولماذا صار الحاكم نفسه يتمرّد ولا ينفذ تعليمات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً؟
الإجابة سهلة ولم تعد خافية على أحد… لأنّ رياض سلامة تابع لفريق سياسي معيّن ينفذ منذ ثلاثة عقود سياساته وتعليماته، سواء كان هذا الفريق داخل السلطة أو خارجها، وخير دليل العلاقة المتوترة بين سلامة وبين الوزيرين السابقين للمال الدكتور جورج قرم والدكتور الياس سابا، وهما وزيران إصلاحيان بامتياز أرادا إدخال تعديلات جوهرية على السياستين المالية والنقدية، لكن «ملائكة» فؤاد السنيورة كانت حاضرة في المرحلتين في ما يُسمّى «الدولة العميقة»، وطبعاً كان «الملاك» رياض سلامة حاضراً أيضاً ليُساهم في إفشال أيّ تغيير، وبالتالي إبقاء الحنفيات مفتوحة لتصبّ في مزاريب «الشفط واللهط».
ما هي هذه القوة الاستثنائية التي تجعل المنظومة إياها قادرة على الاستمرار، وعابرة لكلّ العهود والحكومات المتعاقبة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم؟!
هي طبعاً هذه القوّة السحرية لـ «المستر دولار» الذي تمّ تسخيره لشراء الضمائر والولاءات والارتهان لجهات سياسية معينة في الداخل والخارج، والمعلومات في هذا المجال متوافرة لمن أراد الاطلاع عليها ومعظمها معلن ومعروف، لكن الحمايات السياسية والطائفية والمذهبية من كلّ الأطراف تحول دون محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الوطنية الكبرى، وهم الذين أهدروا ونهبوا وعقدوا الصفقات على حساب المال العام وأفرغوا الخزينة العامة بالكامل، ولم يكتفوا بذلك بل نفذوا أكبر عملية سرقة في التاريخ حيث سطوا على الودائع في المصارف، وهي المقدّرة بنحو 190 مليار دولار بينها أكثر من سبعين في المئة تمّ إيداعها بالدولار الأميركي، من لبنانيين مقيمين ومغتربين وأيضاً من بعض المتموّلين ورجال الأعمال العرب وخاصة من الأشقاء السوريين.
اليوم وصلت الأمور إلى عنق الزجاجة ولم يعد الوضع قابلاً لأيّ تسويف أو مماطلة، وبات لا بدّ من الحسم لأنّ اللبنانيين ما عادوا قادرين على تحمّل هذا الوضع المزري الضاغط على كلّ حياتهم تفاصيل اليومية على كلّ الصعد الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية والتربوية… وطبعاً على صعيد دورة العمل التي باتت تفتقد إلى الحيوية والزخم والحماس…
المطلوب اليوم وقبل كلّ شيء، حتى لو تأخر تشكيل الحكومة، اتخاذ الإجراءات القانونية لمحاسبة المتورّطين بملف التلاعب بسعر صرف الدولار، وهناك أمام القضاء ملفات موثقة تعني جميع اللبنانيّين، بشأن قيام بعض المصارف والصرافين بالتلاعب بسعر الدولار صعوداً وهبوطاً، وتعمّد المضاربات غير المشروعة ومخالفة القوانين؛ وكلّ ذلك على حساب العملة الوطنيّة ولقمة عيش اللبنانيّين.
ورغم ما يمرّ به الشعب اللبناني من أزمة حادّة تهدّد قدرته على شراء الحدّ الأدنى من السلع الضروريّة نتيجة ارتفاع سعر الدولار، فإنّ المستغلّين المعروفين بالأسماء لدى القضاء، يواصلون عملهم غير المشروع غير آبهين بأيّ إجراءات قانونيّة، لأنّ الملاحقات القضائيّة السابقة وما أعقبها من تسويات سياسيّة شكّلت حافزاً لهم لمواصلة تلاعبهم بالعملة الوطنية.
وإذا كان اللبنانيون ينتظرون اليوم بدء تنفيذ الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها حاكم مصرف لبنان، فإنّ الثقة على هذا الصعيد معدومة، نظراً إلى السوابق الفاشلة، والأسئلة الكثيرة المطروحة حول عدم التحرك قبل اليوم ولماذا تركت الأمور تصل إلى هذه الدرجة من السوء طالما أنّ هناك قدرة على ضبط السوق؟ ولأنّ المنصة التي قيل إنها ستكون المرجع لتحديد سعر الصرف يلزمها دعم بكمية من الدولارات تضخّ في السوق يومياً، فهل هذه الدولارات موجودة؟ أم أنّ القصة عبارة عن وهم جديد لشراء الوقت كما كان الأمر في السنوات الثلاثين الماضية؟
سننتظر ونرى، ونقول لرياض سلامة: لقد دقت ساعة الحقيقة والحساب والخيارات مفتوحة…
*خبير مالي واقتصادي