عودة العلاقات المصرية التركية… مصالحة لن تدوم
} د. حسن مرهج
مغازلة سياسية تطوي مؤقتاً فترة الخلافات المصرية التركية؛ هي مغازلة تعتمد على المساعي الدبلوماسية، لتحقيق مكاسب مشتركة بين أنقرة والقاهرة، ففي إحدى جوانب هذه المغازلة سعيٌّ لاستعادة المكانة الإقليمية لكلا البلدين، وفي الجانب الآخر هندسة معادلة إقليمية جديدة خاصة مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما كشفته سياساته الجديدة تجاه تركيا ومصر على السواء، فضلاً عن أنّ قمة العلا أو قمة المصالحة الخليجية، كشفت تهميشاً واضحاً لـ مصر، وبالتالي فإنّ أنقرة والقاهرة تسعيان لتأمين الحدّ الأقصى من المكاسب الإقليمية، لكن في مقابل ذلك، هنالك الكثير من التحديات التي تؤطر عودة العلاقة المصرية التركية إلى سابق عهدها، خاصة أنّ دوافع عودة العلاقات تحكمها عوامل إقليمية ودولية، فضلاً عن توجهات الإخوان المسلمين الجديدة في المنطقة، والتي على ما يبدو أنها مرتكز قوي يدفع باتجاه عودة تلك العلاقات، لكنها مهمة مستحيلة تحكمها عوامل فشل كثيرة.
في أول تصريح رسمي كشف التودّد التركي للعلن، أكّد وزير الخارجية التركي تشاويش أغلو، أنّ «الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات المصرية – التركية تكون عبر الحوار والتعاون مع تركيا بدلاً من تجاهلها». وأوضح في مقابلة على قناة «أن تي في» التركية، وقتذاك، أنه وبتفويض من أردوغان أجرى اتصالات مختلفة مع مصر في السابق، إلا أنّ التوازنات في ليبيا أدت إلى توتر العلاقات قليلاً.
والشهر الحالي، مضت أنقرة تغازل القاهرة باللعب على المتناقضات؛ إذ قال أردوغان نفسه قبل أيام إن «الشعب المصري لا يختلف مع تركيا»، وسبقه وزير خارجيته تشاويش أوغلو، بوصفه مصر وتركيا بأن لديهما أطول مساحة من الأرض والحدود في شرق البحر المتوسط، ويمكنهما التفاوض على الاختصاصات البحرية، ملوّحاً بإمكانية توقيع اتفاقية بينهما مستقبلاً. فيما تودّد وزير الدفاع خلوصي أكار مشيراً إلى «القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر».
كما عزف مستشاره ياسين أقطاي على نغمة أنّ «المصالح المصرية التركية مشتركة»، مؤكداً أنّ «من يأتي إلينا خطوة نمشي إليه خطوتين». أما متحدث الرئاسة التركية فبدا وكأنه يتوسل اتفاقية مع مصر بتصريحه إلى وكالة بلومبرج «يمكن فتح صفحة جديدة مع مصر ودول الخليج للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين».
ما سبق، تبدو واضحةً المغازلة التركية لـ مصر، وحتى وصل الأمر إلى إيقاف البرامج والقنوات التي تبث من تركيا، وتهاجم مصر ودور السيسي في المنطقة وخاصة سياساته الداخلية وكذا في ليبيا، إذ تعدّ المغازلة التركية تجسيداً للردود المصرية، والتي طالبت تركيا بتطبيق أقوالها لتغدو أفعالاً، ترجم هذا الأمر في ما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام البرلمان إنّ «الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي».
في ذات السياق، يمكننا القول بأنّ التحوّل الأردوغاني المثير للريبة تجاه مصر، ينطلق من محاولة تركيا الخروج من عزلتها التي تسبّبت فيها سياسات أردوغان، إذ أن تقليص أردوغان للسياسة الخارجية إلى المستوى العسكري، والسعي إلى نهج قائم على مطالبات القوة والحقوق بدلاً من الجلوس على طاولة المفاوضات، دفع بجميع الدول والمؤسسات الدولية للوقوف في مواجهة أنقرة في خطوة تجاوزت دول المنطقة، واليوم يسعى لاستعادة الورقة الرابحة التي خسرتها تركيا مع اليونان من خلال اللجوء إلى مصر و»إسرائيل» بعد إطلاق سلسلة من الإهانات للزعماء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع البلدين.
يبقى السؤال الأكثر أهمية حول ما إذا كانت المصالحة بين تركيا ومصر ممكنة حقاً، خاصة بعد تقدّم مصر بشكل كبير في إجراءات المصالحة مع قطر، منذ إعلان وثيقة العلا «المصالحة الخليجية»، حيث تشكل التناقضات اللامتناهية في المواقف التي تتبناها القيادة السياسية التركية تجاه مصر عائق كبير أمام عملية رأب الصدع وتطبيع العلاقات بين البلدين، اللذين يشكل كلّ منهما قيمة اقتصادية وسياسية وعسكرية مضافة للآخر، في حال اختارا أن يتعاونا.
وعليه، فإنّ الخلاف الرئيسي بين مصر وتركيا يتعلق بإصرار الرئيس التركي أردوغان على مواصلة دعم أنشطة الإخوان المسلمين، المقيمين في تركيا، ضد الدولة المصرية، ومن الجدير بالذكر، أنّ أردوغان دائماً ما يلوح بعلامة رابعة (تحية الأصابع الأربعة التي يتبناها الإخوان المسلمون كشعار لهم) في كلّ ظهور إعلامي له، الأمر الذي يجعل موضوع المصالحة بين مصر وتركيا أمر أشبه بالمهمة المستحيلة.