الحرب في اليمن قابلة لانفجارات واسعة جديدة
د. وفيق إبراهيم
هناك مفاوضات أميركيّة – يمنيّة تجري في أكثر من مكان بعضها مباشر وآخر غير مباشر، هدفها وقف الحرب في اليمن بما يؤدي الى المحافظة على موازنات القوى كما نصبها الأميركيون عندما أسسوا لهذه الحرب قبل ست سنوات.
قد يتساءل البعض لماذا يصالح الأميركيّون ما دامت مشاريعهم في اليمن أقرب بكثير الى هزائم مفضوحة منها الى نجاحات محدودة؟
لا بد هنا من التذكير ان الفريق الأميركي في اليمن المؤيد من السعودية وكثير من دول الغرب لا يحتفظ إلا بقسم من جنوب اليمن وهو لم يكن أصلاً مع الشمال ولولا التلاعب الأميركي لوصل الحوثيون الى عدن.
أما الأسباب فهي أن الأميركيين لا يقبلون على الإطلاق بدولة في شمال اليمن تسيطر على جزء من بحر عمان حتى قناة السويس، فهذه تكبل الحركة البحرية الأميركية وباب المندب المحسوب تاريخياً على الجيوبوليتيك الأميركي، فكيف يتخلّى عنه بايدن فيضرب بذلك دوراً أميركياً كان ممسكاً بكامل اليمن وجزيرة العرب.
هذه هي الأسباب التي فرضت على الأميركيين السعي للتهدئة في اليمن في غياب القدرة على الحسم علماً أنهم مدركون أن أنصار الله ليسوا متحالفين مع الروس وهذا يكفي بالنسبة اليهم، هذا بالإضافة الى ان الجغرافيا الخاصة بهم تحول دون علاقات واسعة مع سورية وإيران، قد يفضلون علاقات مع مداهم الجغرافي الواسع.
المهم هنا أن الأميركيين يطرحون حلاً للصراع على شاكلة دولتين جنوبية ومحورها عدن وشمالية محورها صنعاء على ان يكون خط باب المندب وحتى قناة السويس محايداً تتسلمه قوات أميركية.
هذا الحل لم يقبل به الشماليّون الذين طرحوا بالمقابل وقفاً شاملاً لإطلاق النار وانسحاب القوات السعودية والأميركية وكل القوات الأجنبية من اليمن وهم مصرّون بإلحاح على مطالبهم لا يزيحون قيد أنملة.
والسبب انهم يرون احتمالاً حقيقياً لوقف الحرب بضغط من الأميركيين الذين ما عاد بوسعهم الاستمرار في دعم مخيف.
كيف يكون هذا الدعم غير مقبول؟
الحقيقة أن الأميركيين استنفدوا سبلهم ولم تقبل معهم كل من باكستان ومصر والأردن بالتدخل العسكري المكشوف، ما يعني وقوعهم في حاجة للعنصر المدنيّ غير الموجود لأن القوات السعودية أشبه بكتائب عسكرية ضعيفة جداً وتدافع عن العائلة المالكة فقط. وهذا فعلاً ما تفعله.
الملاحظة الإضافيّة أن الشماليين تنبّهوا الى ليونة المفاوضات فأشبعوها قصفاً أصاب مصافي أرامكو وقصور الملك خالد وعشرات المواقع الأخرى.
والأهم أن اليمنيين الشماليين يتجهون الى تعميم قصف على كل مراكز التغطية في السعودية لجعلها ترضخ للأمر الواقع.
المشكلة أن السعودية تتمنى مثل هذا النوع من القصف لعلها بذلك تستدرج العالم الغربي للدفاع عن نفطه الأكثر أهمية. وبالفعل فإن السعودية تقول الآن للغربيين تعالوا ودافعوا عن نفطكم وهذا يؤكد ما تحدثنا عنه حول التهديدات السعودية.
أما الاحتمال الثالث تعمل عليه أميركا والسعودية فهو تزخيم الحرب بحراً وبراً وجواً بقوات أميركيّة مباشرة قد تستطيع إنهاءها بسرعة، لكن الخبراء العسكريين يضحكون من هذا الاحتمال الذي يتطلب قوات قادرة على الانتشار على 200 ألف كيلومتر فقط هي المساحة التي يستعملها أنصار الله في هجماتهم نحو الجنوب، فهل هناك جاهزيّة أميركيّة في مرحلة كورونا والأوبئة الأخرى ام انها قد تؤدي الى ثورة الأوبئة على البيت الأبيض وينال منها بشكل لافت وبغيض. هذا نموذج لصعوبة الحرب الأميركية على اليمن وضرورة البحث عن بدائل.
أصاب الكلام حتى الآن الطرفين الأميركي – اليمني لكنه تناسى المحيط المتداخل إلزامياً وأولها إيران، هل يمكن لها أن تصمت وتكتفي بنظرات محايدة في حالة ارتفاع أسهم الصراع اليمني – الأميركي. بالطبع لا، فإيران جزء من هذه الحرب منذ انطلاقتها قبل سنوات وهي شديدة الاستعداد اليوم لورطة أميركية – يمنيّة تمنحها حق التدخل والدعم وهي جاهزة لكل شيء، دعم عسكري مادي وصولاً الى إرسال قوات الى اليمن هي اقرب من اي قوات أميركية، كذلك الحال بالنسبة لسورية الجاهزة، أما السعودية فلو كانت تملك قوات لزجّت بها في المعركة الحاليّة قبل انتظار الحروب الجديدة.
غزة بدورها تقول إنها جاهزة لإسناد اليمن بآلاف المقاتلين وبأسرع من البرق، لأنها أصبحت ملمّة بالتقارب الفلسطيني اليمني أكثر من ذي قبل. وهذا ما ينطبق على الضفة وفلسطينيي لبنان والأردن.
فهل تسقط محاولات الصلح الأميركيّة؟ نعم إنها ذاهبة نحو الحل لانسداد المواقف التي تقوم على ضعف شمالي سعودي وقوة جنوبية.
لذلك فإن التداخل الإقليمي في الحرب المقبلة لليمن كبير كذلك التداخل الدولي، بما يمكن القول إن اليمن هي مصيدة الأميركيين الجدد وحلفائهم والهمّ الثقيل الذي يجابه آل سعود منذ حمايتهم أميركياً في 1945.
إن حرب اليمن قابلة للتجديد بشكل أكبر وهناك معلومات عن استعداد أميركي لحرب كبرى في اليمن بالاشتراك مع الجنوبيّين وربما بالاشتراك مع قوات من المنطقة، لأنهم يعتقدون أنهم بالغوا في إعطاء اليمن الشمالي فرصاً كثيرة بالاتفاق ولم يقبل، لذلك هم عاكفون حالياً على تحضير حرب عسكرية كبرى.