بلال شرارة
في منتصف السبعينيات تلاقينا في بنت جبيل، والأغلب منشغل في حروب الداخل، وقد وجدنا فيها موقعاً قتالياً لمواجهة خطر اجتياح صهيونيّ قيد التحضير، بلال شرارة المناضل والمقاوم والشاعر والأديب كان قد نذر نفسه لفلسطين، وكان اللقاء على مشارف بياراتها ونسيم هوائها، وهو ابن تلك المدينة التي لا تتعب من الشمس ولا من عصف الرياح، وتفرح بمواسم الحصاد وقطاف التبغ والزيتون.
في منتصف الثمانينيات تلاقينا على عهد المقاومة، التي انطلقت وصارت هي الرقم الصعب في المعادلة، وكانت حركة أمل ومؤسسها الإمام السيد موسى الصدر، ورئيسها رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، الثوب الذي يلبسه الجنوب في إعلان المقاومة، وكنّا كما كل المقاومين نستثمر دمنا وسلاحنا وكلماتنا، لشحذ سكاكين المقاومة، وكانت أمل سكين الجنوب، وكان الرئيس بري قبضتها.
كان بلال الجنوبيّ الفلسطينيّ العربيّ صوتاً صادحاً في بريّة اللبنانيين والعرب والعالم يحمل الوثائق ويؤرشف الجرائم، والعمليات، والقرارات، حتى صار البعض يسمّيه 14 آذار التي كانت ترمز يومها إلى إحياء ذكرى الاجتياح الإسرائيليّ لجنوب لبنان عام 1978، وبعدما وجد في الرئيس نبيه بري ضالته، وجد فيه الرئيس بري رفيق درب لثلاثة عقود تؤرخ وجود الرئيس بري في مجلس النواب، وبلال صوته في المحافل البرلمانيّة العربيّة والدوليّة، الذي لا ينسى فلسطين.
كان بلال الثاني، بعد بلال فحص، بلال الأول، مؤذناً في مسيرة المقاومة، كل منهما يجسّد وجهاً من وجوه هذه المقاومة، من حيّا على الفلاح، إلى حيّا على خير العمل، وكان بلال نبضاً حيّاً يسير في تلال الجنوب يحمل مرارة طعم التبغ على أيدي الفلاحين، وخضرة زيت الزيتون في معاصر جبل عامل، ليصنع منهما لون أرزته اللبنانية محاطة بدماء الشهداء ليرسم بطاقات الدعوة لإحياء ذكرى 14 آذار، تاركاً فسحة البياض لصناعة الأمل، أو لأمل.
رحل بلال بعد معاناة مع المرض، فخطفه مبكراً وباء كورونا كما فعل مع أعزاء وأحبّة قبله، وفقد فيه الجنوب وفقدت معه المقاومة، هذا الصوت وتلك الحيويّة، وهذا التاريخ، ليستذكره الأحبّة ببسمة صافية، وقلب محبّ، ونبض مناضل لا يهدأ، وصوت صادح على المنابر يؤذن لفلسطين.