الأزمة اليمنية… هل من حلّ؟!
د. جمال زهران*
صرّح المبعوث الأميركيّ لليمن، منذ أيام عدة، ونشرته وسائل إعلام عديدة، لها مصداقية كبيرة، بالقول: «نحن نعتبر الحوثيّين لاعباً مهماً، وأنّ لهم دوراً مهماً جداً، وقوة لا يُستهان بها. فهذه حقيقة واقعة في اليمن ولا يمكن أن نحقق تقدّماً، بإنكار هذه الحقيقة للأبد… والسلوك المسؤول منهم مهمّ وأتطلع إليه، وحسّ المسؤولية من الأطراف المعنية، لأن هذا يعالج كافة القضايا».
لا شك في أنّ هذا التصريح هو: خلاصة ما يجرى في اليمن السعيد – الذي لم يعُد سعيداً! منذ 6 أعوام بالضبط مع بدء عاصفة الحزم في مارس 2015. وكانت كلّ التقديرات من جانب العدوان على اليمن، تؤكد أنها مجرد أيام وأسابيع وتتمّ السيطرة على اليمن، من جانب السعودية والإمارات ومن يساندهما. وخيراً ما فعلته مصر – حفاظاً على ميراثها التاريخي الإيجابي في أرض اليمن منذ اندلاع الثورة اليمنية بقيادة السلال عام 1962 – بأن رفضت التورّط نهائياً في دعم هذا العدوان رغم محاولات أطراف العدوان توريطها في هذا المستنقع. واستمرت العاصفة 6 سنوات بلا انقطاع، ولم تسقط العاصمة صنعاء، واستمرّت المقاومة اليمنية في الدفاع عن الدولة اليمنية بكلّ الوسائل، لتؤكد وجودها وبقاء الشعب اليمني حياً في الذاكرة التاريخية، بأنه قد رفض الخنوع والاستسلام.
وتلخص كلمات المبعوث الأميركي لليمن، حقيقة جزءاً من المشهد، حيث تضمّن الحديث أنّ هناك طرفاً أساسياً لا بدّ من الاعتراف به، وأنه واقع فعلي لا يمكن تجاهله، وهو «الحوثيّون». وتشاء الظروف أن قام هذا الطرف، بتنظيم معرض للصناعات العسكرية، تضمّنت أنواعاً حديثة من الصواريخ والطائرات المسيّرة، لاستعراض القوة بطبيعة الحال، ويؤكدون أنّ مقاومتهم ليست من فراغ، وأن استمرارهم طوال السنوات الست الماضية، لم تكن بلا قدرات تسليحية ذاتية، الأمر الذي دعا المبعوث الأميركي للاعتراف بهؤلاء. لكن الصورة تكتمل بتفهّم كامل لكافة التضاريس، آخذاً في الاعتبار أنّ القوة الفاعلة في مقاومة العدوان، هم اليمنيون الحوثيون ومن يؤيّدهم من الشعب اليمني الباسل.
على الجانب الآخر، فإنّ إدارة بايدن قد أعلنت بوضوح مطالبة الطرف السعودي والإماراتي، بوقف وإنهاء الحرب في اليمن. فسارعت الإمارات بالانسحاب من الجنوب، ومن جزيرة «سوقطرة»، وتفكك كلّ ما لها صلة به في اليمن. كما أنّ السعودية تفادياً للضغط الأميركي في عهد بايدن، أعلنت عن استعدادها لإنهاء الحرب في اليمن. إلا أنها لا تزال تمارس العدوان على اليمن والاستمرار في تدميره بلا هوادة أو رحمة، ولا يزال «الحوثيون» يوجهون ضرباتهم إلى بعض المواقع الاقتصادية في جدة وفي الرياض على بعد آلاف الأميال، وبعض المطارات السعودية، وتكبيد السعودية خسائر فادحة.
كما يُشاع أنّ القوات الأميركية تشارك في الهجمات السعودية على اليمن، مما يتناقض مع تصريحات إدارة بايدن المطالبة بوقف وإنهاء الحرب!!
ولا يزال الحوثيون، قادرين على الاستمرار في محاصرة محافظة مأرب، ويصرّون على إسقاطها في قبضتهم لتحسين مواقفهم في المفاوضات. وبالنظر إلى حجم الكارثة في الحرب على اليمن، فإنّ حجم ما يعانون من معاناة إنسانية (فقر – وتدهور الخدمات – صحة – جوع)، يصل إلى 20 مليون نسمة تقريباً، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، والتي تحذر من تفاقم الجوع والأوبئة!
أما عن جملة الخسائر وما يصرف على الحرب من جانب السعودية، فوفقاً لتقديرات مجلة (فورين بوليسي) الأميركية في أحد أعدادها، أشارت إلى أنّ جملة ما صرفته السعودية على الحرب على اليمن، في الأشهر الستة الأولى من الحرب عام 2015، نحو 75 مليار دولار. وبالمتابعة لكلّ ما يصدر عن هذه الحرب، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ السعودية تنفق 200 مليون دولار يومياً، بإجمالي بلغ في المتوسط 500 مليار دولار خلال السنوات الست الماضية (2015 – 2021)! فضلاً عن الخسائر البشرية في صفوف الجانب السعودي، والخسائر البشرية من مدنيين ودمار كامل للعاصمة ومحيطها في جانب الشعب اليمني.
لا شك في أنّ الأزمة اليمنية هي كارثية بكلّ الأبعاد، ولذلك تتحتم المسارعة بوقف العدوان، وحلها تحت رعاية الأمم المتحدة، مثلما تمّ حلّ الأزمة الليبية، والنص صراحة على خروج الجميع من الأرض اليمنية، لتعود اليمن السعيد، كما كان من قبل، وأرى ختاماً أنّ الفرصة مواتية للحلّ والخروج من الأزمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.