متى تعود الجامعة العربيّة إلى ذاتها؟
معن بشور
تحتفل جامعة الدول العربية في الثاني والعشرين من آذار/ مارس كلّ عام بعيد تأسيسها قبل 76 سنة في ظلّ رأيين يتجاذبان أبناء الأمّة العربية منذ تأسيسها: أولهما أنها تعبير عن الحدّ الأدنى من الروابط الجامعة بين الدول العربية ينبغي الحفاظ عليها، والعمل على تطويرها، وتنفيذ الآلاف من القرارات التي اتخذتها، لا سيّما وأنها كانت تلعب في مراحل سابقة دوراً إيجابياً في زمن المدّ القومي العربي والحضور القويّ فيها لمصر بقيادة الخالد الذكر جمال عبد الناصر…
أما الرأي الثاني فهو أنّ هذه المؤسسة هي بريطانيّة الصنع منذ تأسيسها، هدفها إجهاض الحماسة العربية للوحدة، وقد تعزّز هذا الرأي خلال العقود الأخيرة، لا سيّما في الصمت المشوب بالتواطؤ على جرائم الاحتلال في فلسطين، وعلى الحروب الصهيونيّة على لبنان، وعلى الحرب الأميركية – الأطلسية على العراق وإفرازاتها الداخلية والخارجية، ودورها في استدعاء الناتو لغزو ليبيا، ومساعدتها في حرب تدمير سورية من خلال تغذية الفتنة وإحكام الحصار والسعي للاستقواء بالدول الاستعمارية لضربها، ثم المشاركة في تغطية الحرب على اليمن، والامتناع عن إدانة اتفاقات التطبيع بين بعض الحكومات والكيان الصهيوني… حتى باتت هناك خشية من أن يأتي يوم يصبح هذا الكيان عضواً، بل قائداً، في جامعة الدول العربية التي ستصبح جامعة شرق أوسطية.
بين الرأيين المتعارضين، كان لنا رأي ثالث وهو أن هذه الجامعة هي مرآة للواقع الرسمي العربي، وبتراجع هذا الواقع تتراجع الجامعة في مواقفها وأدائها، وحين يتقدّم هذا الواقع للتصدي للتحديات الكبرى التي تحيط بالأمّة يتقدّم دور الجامعة العربية، كما كان الحال في خمسينيات وستينيات القرن الفائت.
ومن هنا يأتي الحديث المتصاعد اليوم عن احتمالات عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهي العضو المؤسّس والمشارك في ميثاقها، وينسى المتحدثون بهذا الأمر أنّ عودة سورية إلى الجامعة العربية، وهو قرار سياديّ سوريّ، لا يتمّ إلا حين تعود الجامعة إلى ذاتها وإلى ميثاقها، وإلى ما يفرض عليه اسمها كجامعة، وإلى المعاهدات والاتفاقات البينية المعقودة بين الدول العربية، التي تعتبر أنّ أيّ عدوان على أيّ بلد عربي هو عدوان على الأمّة كلها.
لا شك في أنّ القيّمين على جامعة الدول العربية اليوم، لا سيّما الحكومة المصرية، قد بدأوا يلمسون فداحة الأخطاء والخطايا التي وقعت بها هذه الجامعة خلال العقود الماضية، وبدأوا بنوع من المراجعة لهذه المسيرة، ولكن المطلوب أيضاً أن تتحرّر هذه المراجعة من الخضوع للإملاءات الأميركية، كما رأينا في تراجع بعض الحكومات، خصوصاً الخليجية منها، عن مواقف أعلنتها بعد زيارة بومبيو إليها عشية قمة بيروت الاقتصادية في أوائل عام 2019، كما أن تتحرّر هذه المراجعة من ضغوط جماعة البترودولار الذين ما زالوا يصرّون على جعل أبناء أمّتهم يحسّون أنّ النفط بات نقمة على العرب بدلاً من أن يكون نعمة لهم.. وتحوّلت سياسة الجامعة إلى معول لهدم بلاد العرب بدلاً من أن تكون الجامعة بيتاً للعرب ولحلّ مشاكلهم.