الاتحاد الأوروبيّ يتّجه لحكومة سياسيّة!
ناصر قنديل
– بعيداً عن الخطاب الذي تسوّق له أطراف لبنانية راغبة بتدخل أوروبي يتابع ما بدأه الأميركيون في ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، بفرض عقوبات على رموز فريق رئيس الجمهورية وأطراف فريق الثامن من آذار، وتحميله مسؤولية عرقلة ولادة الحكومة، وبالتالي الإصلاحات التي يجب السير بها كضمان للحصول على المساعدات المالية اللازمة لمنع انهيار لبنان، انعقد مجلس وزراء خارجيّة الاتحاد الأوروبي أول أمس، وكان الوضع اللبناني على جدول الأعمال، بعد تقديم من وزير خارجية فرنسا الذي يمثل الدولة الأوروبيّة التي أطلق رئيسها مبادرة تجاه لبنان، وتعثّرت خلال الشهور الماضية، وبعدما لوّح الوزير الفرنسي بالعقوبات، متحدثاً بنبرة عالية تجاه المسؤولين اللبنانيين.
– انتهى الاجتماع الأوروبي، وغاب عن الإعلام اللبناني الذي نقل كلام الوزير الفرنسي قبيل الاجتماع، بالرغم من أن الاجتماع الأوروبي ناقش الوضع اللبناني، وبالرغم من أن مفوض شؤون السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خصص فقرة من مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع للحديث عن لبنان، قال فيها «إن الوضع في لبنان كارثيّ»، محذرًاً من أن البلاد تسير نحو الانهيار الاقتصادي والمالي بسبب عجز الطبقة السياسية عن التوصل إلى اتفاق. وطالب بوريل الأحزاب السياسية اللبنانية بتنحية الخلافات جانبًا، والتوقف عن المهاترات، والتوجّه نحو اتفاق سياسي يسمح للبلاد بالنهوض في وجه التحديات التي تواجهها، متفادياً ملاقاة كلام وزير الخارجية الفرنسية بالدعوة للبحث بوسائل الضغط الأوروبيّة على القيادات السياسية، في إشارة فرنسية لطلب البحث بالعقوبات، ومتجاوزاً التذكير بالمبادرة الفرنسية، والحديث عن طبيعة الحكومة كحكومة اختصاصيين من خارج القوى السياسية، مكتفياً بعبارة ذات أهمية ومعنى تقول بدعوة الأحزاب السياسية اللبنانية بالتوجه نحو اتفاق سياسي.
– منح الأولوية للبحث عن اتفاق سياسيّ أبعد مدى من الرهان الفرنسي على فرضية حكومة اختصاصيين قادرة على إنجاز الإصلاحات. والمصادر الأوروبية التي رافقت الاجتماع تقول إن الاتحاد الأوروبي مجتمعاً سيتحرّك نحو لبنان، للتواصل مع القيادات اللبنانية والأحزاب السياسية بحثاً عن الأرضية التي يمكن الانطلاق منها لصياغة الاتفاق المنشود كأرضية تتيح تشكيل الحكومة. وفي الأجندة الأوروبية عناوين تتصل بخمسة عناصر، كما تقول مصادر مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد، الأول هو وضع آلية سياسية لتحييد موضوع سلاح حزب الله عن البحث، والثاني هو فحص إمكانية أن تشكل الانتخابات النيابية المبكرة مدخلاً لإعادة تكوين السلطة عبر الذهاب لحكومة سياسية وفقاً للتوازنات التي تنتجها الانتخابات، والثالث هو إمكانية التوافق على تفعيل حكومة تصريف الأعمال بين جميع الأطراف بمن فيها غير المشاركة في الحكومة لتتولى الإشراف على الانتخابات المبكرة، العامل الرابع هو إجراء الانتخابات في موعدها وفقاً لقانون جديد يجب التحقق من فرص التوافق عليه، مقابل تشكيل حكومة تكنوسياسية جامعة تدير المرحلة الفاصلة عن الانتخابات العام المقبل، أما العنصر الخامس فهو التحقق من مدى حدود قدرة مجلس النواب الدخول على خط التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفقاً لسوابق مشابهة في العالم، باعتبار الإصلاحات المطلوبة ستصدر بقوانين.
– تقول المعلومات الأوروبيّة إن جوزيب بوريل الذي يدير المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، لم يخف قناعته بارتكاب فرنسا خطأ جسيماً انعكس سلباً على مبادرتها في لبنان، من خلال توهم مقايضة السعي لفرض الشراكة السعودية في مفاوضات الملف النووي الإيراني، وهو ما ترفضه واشنطن وطهران على السواء، مقابل تسهيلات سعودية للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، الذي رعت فرنسا وضمنت بنود اتفاق بينه وبين وليّ العهد السعودي، أفضى لإنهاء احتجازه في السعودية، وما يعنيه المسعى الفرنسي من إقحام قضية جانبية في التأثير على قضايا دولية كبرى حساسة بحجم مصير التفاوض حول الملف النووي الإيراني