واشنطن والاستراتيجيات الجديدة في سورية.. روسيا وإيران في المرمى
} د. حسن مرهج
مؤشرات واضحة تُدلل في مضامينها إلى أنّ الإدارة الأميركية الجديدة تعمل في سياق تعزيز حضورها في سورية، إذ بات من الجليّ أنّ إدارة جو بايدن وضعت استراتيجية لتأمين وجود مستدام في الجغرافية السورية، هذه المؤشرات لا لبس فيها، خاصة أنّ المعطيات تؤكد بأن تعزيز الحضور العسكري في شمال شرق سورية، وتعزيز القواعد الأميركية ودعمها لوجستياً، وكذا هجمات داعش المتفرّقة، كلّ هذا يشي صراحة بأنّ واشنطن تقوم بهندسة وجود قوي في سورية، لكن في المقابل، يبدو أنّ ذلك لا ينفصل عن السياسة التي تتبناها الإدارة الأميركية وتقوم على محاولة الوصول إلى اتفاق جديد مع إيران، يضمّ الملفات الخلافية الأخرى إلى جانب البرنامج النووي، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.
واللافت في هذا السياق أيضاً أنّ واشنطن بدأت في التركيز مجدّداً على ملفّ الأسلحة الكيماوية السورية، على نحو بدا جلياً في الاتهامات التي وجهتها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد 4 مارس/ آذار 2021، إلى روسيا بـ تعطيل كلّ الجهود لتحميل دمشق مسئولية استخدام أسلحة كيماوية.
حقيقة الأمر، يمكن للمتابع رصد مؤشرات تدلّ على رغبة واشنطن بتعزيز حضورها في سورية، فالضربات الأميركية الأخيرة في شرق سورية، تؤكد سعي إدارة بايدن إلى توجيه بلورة معادلة ردع تُجاه إيران، ناهيك عن أنّ إنشاء قاعدة للتحالف الدولي عند مثلث الحدود السورية التركية العراقية، الأمر الذي يصب مباشرة في إطار تعزيز التواجد الأميركي في سورية.
كلّ ما سبق، تؤكده التقارير العديدة التي تحدثت عن وصول تعزيزات لوجستية وعسكرية للقوات الأميركية إلى قاعدة حقل العمر العسكرية الجديدة في ريف دير الزور، وهو ما يتوازى مع قيام قوات التحالف الدولي التي تقودها واشنطن بإنشاء مدرّج لهبوط الطائرات الحربية في القاعدة في منتصف الشهر نفسه.
ضمن ذلك، بات من الضروري تتبع الأهداف التي تنشدها الإدارة الأميركية من خلال تعزيز حضورها في شمال شرق سورية، إذ يبدو واضحاً أنّ واشنطن تعمل على الحفاظ على نفوذها في سورية، وبمعنى أوضح، فإنّ الوجود التقليدي لواشنطن شمال شرق سورية، يعد بؤرة نفوذ تقليدية بالنسبة للحضور الأميركي في الساحة السورية ومنها إلى باقي الإقليم، ويُشار في هذا الصدد إلى أنّ ملامح الدور العسكري الأميركي في سورية في عهد الرئيس بايدن، يُتوقع أن تتضمّن كذلك الحرص على ضمان الالتزام باتفاق مذكرة منع الصدام بين الجيشين الأميركي والروسي؛ وبالتالي، من غير الوارد أن تكون هناك محاولة لسحب القوات الأميركية في سورية في عهد بايدن، مثلما حاول سلفه دونالد ترامب من قبل، إلا في حال التوصل لحلّ سياسي مقبول من جانب واشنطن.
أيضا من ضمن محددات تعزيز الوجود العسكري الأميركي في سورية، فإنّ إدارة بايدن تتجه إلى مواصلة التنسيق مع قسد، وهو ما يبدو جلياً في الإعلان عن إجراء مباحثات قريبة بين الإدارة الأميركية وقسد خلال الزيارة المرتقبة من جانب قائد تلك القوات مظلوم عبدي للولايات المتحدة.
في جانب آخر، فإنّ الإدارة الأميركية ومن خلال وجودها في سورية، إنما تحرص على امتلاك أوراق ضغط في مواجهة طهران، إذ شهدت الأسابيع الأربعة الأولى من حكم بايدن مرونة لافتة تجاه إيران، ويبدو أنّ تلك السياسة لم تنجح حتى الآن في دفع طهران إلى إجراء تغيير في سياستها الحالية.
وربما يكون ذلك مقدمة لتبني إدارة بايدن إجراءات جديدة ضدّ إيران في شرق سورية، وذلك لمنعهم من مواصلة استهداف المصالح الأميركية مجدّداً، وفي جانب أخر إقناع طهران بأنّ هناك حدوداً للتصعيد لا يمكن تجاوزها، يضاف إلى ذلك، تسعى واشنطن إلى منافسة الدور الروسي في سورية، ففي ضوء استمرار التقييم الأميركي في عهد بايدن بأنّ النفوذ الروسي في سورية يشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، فإنّ إدارة بايدن ستكون حريصة على التصدي لهذا التهديد بأية وسيلة محتملة. ويدعم ذلك أنّ العلاقات بين موسكو وبايدن، خلال الحملة الانتخابية للأخير، شهدت توترات وتراشقات كلامية غير مسبوقة.
في النتيجة، يبدو واضحاً أنّ توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وُضعت في إطار تعطيل أيّ حلّ سياسي، بل وتسعى إلى تصفية حساباتها مع روسيا وإيران عبر الساحة السورية، الأمر الذي يدحض كلّ الادّعاءات الأميركية التي سوقت في أطر البحث عن مُخرجات حقيقية للحرب على سورية، نتيجة لذلك، سيكون للدولة السورية وحلفائها تكتيك استراتيجي جديد، ستتوضح ملامحه خلال الأيام القليلة المقبلة.