الطوائفُ تمارسُ ألعابَ الخِفّة في زمن الجوع!
} د. وفيق إبراهيم
تواصل القوى الأساسية لطوائف لبنان مزاولة ألعاب خفة كانت تؤدي سابقاً الى امرين: سرقة الدولة أو تحقيق مكاسب في التعيينات.
ما هو مؤسف اليوم أن هذين الأمرين الوبيلين أصبحا استنزافاً عميقاً لصيغة الدولة التقليدية وقدرتها على تلبية بعض حدود ومصالح الناس ولو بالحدود الدنيا.
وما الصراع بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف الشيخ سعد إلا وجه من الهبوط الذي سقطت هذه الطبقة إليه، غير عابئة بالجائعين من اللبنانيين والمعتازين منهم، والدليل أن السعد نجح في تحويل الصراع الى سنيّ – مارونيّ يريد الإصرار على المحافظة على المكاسب التي سبق للقيادة السنيّة انتزاعها في مرحلة اتفاق الطائف بدعم سوريّ وعلى أساس فرض تراجع على الموارنة، مقابل انتزاع الشيعة شيئاً ما غير مكتوب او منصوص عنه، لكنه موجود في الصدور والقدرة على انتزاعه بواسطة التفوّق في الشارع.
تكفي هنا الإشارة الى انه لا يوجد بلد في العالم يمنح رئيس حكومة مكلّف فرصة مفتوحة لا تنتهي ولا يحق له انتزاعها منه تحت أي سبب.
فهو باقٍ باقٍ الأرض والهواء والأوكسجين. أليست هذه الصفة كافية لاعتبار رئيس الحكومة هو السياسي الأول في لبنان؟ فيما رئيس المجلس النيابي له سنواته الأربع يقضيها في التواقيع على قرارات صادرة عن المجلس النيابي.
قد يجاوز نبيه بري بعض ما يريد من مجلسه النيابي في معظم الأوقات كما كان يفعل سلفه صبري حمادة، لكن هذا التجاوز يجري بقدرة «الأستاذ» في حركة أمل على صناعة العجائب عندما ينتابه غضب من النوع الذي كان يصيب قديماً رجال الإقطاع عند الصغيرة والكبيرة، لكن أبو مصطفى ليس منهم حتى لو تمرّس بتطبيق بعض الغضب الذي يبدو ذكياً أكثر من أن يكون أحمقَ.. حمى الله الراسخين في العلم.
نحن اذاً في قلب دائرة يتعارك فيها رئيس جمهورية قد لا يحتمل هزةّ بسيطة هي أكثر من كافية لـ «بطح» رجل في عمره بلغ من العمر عتياً، لكن هذا الرجل يستعيد من أن منافسه الشيخ أبو حسام يمارس كل أنواع رياضات كمال الأجسام والكيك بوكسينغ والمصارعة لكن لا جرأة لديه على تطبيق مآثرها. فيستعمل جوقة مرافقين يجيدون نفخ الصدور وتكديس المؤخرات مع عيون ترسل شرراً جاهزاً للقتال الى أن يتبين ان خمسة عناصر فقط من قوى الامن هي التي تحمي الشيخ سعد من الأيام الشريرة والاعتداءات، بذلك يظهر أن لبنان مصون من رئيس جمهورية يتحرّك بصعوبة ولا يريد إلا حقوقاً أخذها السنة في الطائف من طائفته المارونيّة.
وهو بذلك يصرّ على استعادة الدور الماروني التاريخي بنموذج 1920 أو موديل ما قبل الطائف بقليل. وهذا الرئيس صلب في قراراته ومواقفه ومستعدّ لاستخدام كل ما لدى دولة لبنان من إمكانات لإعادة تحصيل عصر «ابو مخايل» وولده مارون وإلا فإن حربه لن تتوقف إلا مع انتهاء ولايته.
للفت النظر فهذا الرئيس معادٍ لـ»إسرائيل» ومستعد لقتالها مؤمناً بحدود لبنان من كل اتجاهاته ورياحه.
لجهة الشيخ سعد فهناك مَن يُوهمه وهو ينظر الى جسده المنفوخ في المرآة أن العصر هو زمن التمسك بحقوق السنة، ودفع الموارنة على الأقل الى خارج السلطة أو شيئاً منها فقط.
اما الشيعة فأبو حسام يعتقد ان الخليج والأميركيين لن يسمحوا قط لأي معادلة شيعية بالإمساك بلبنان السياسيّ وقد يبيحون بعض المسؤوليات غير الجسام.
شيعياً هناك اعتقاد أن الاستمرار في الصراع الماروني السني هو الوسيلة الأساسية لتدمير الصيغة اللبنانية القديمة وبناء أخرى جديدة فيها مسألتان: حقوق واضحة للشيعة يرعاها الأستاذ نبيه بعيون من نار لا تنطفئ، فيكتسب الشيعة حقوقاً نسبيّة ويحتفظ الأستاذ بعيون من نار لا تنطفئ أبداً على وقع المصالح.
لبنان إلى أين؟
صراع عون – الحريري كارثيّ على لبنان ويهدّد باستنفاد آخر معطيات صيغة الطائف على حساب جعل الفقراء يزدادون فقراً والجياع يقتلهم الجوع، وبذلك يحتفظ الزعيمان بأدوار لطائفتيهما لا تكفي لجلب القليل من الفلافل للعامة الهائمة، ويلعبان لعبة منع صراعات الطوائف بألاعيب استعمال الطوائف لخدمة الاحتكار السياسيّ كما يجري منذ قرن تقريباً.
هناك دليل على ارتفاع الأسهم السياسية لسعد في لبنان والسعودية نتيجة ألاعيبه مع الرئيس عون، ويبدو أن عون متراجع قليلاً في اللعبة نفسها لأنه رئيس لكل اللبنانيين ويتراجع في حين أبو حسام رئيس حكومة من الدرجة الثالثة.
ويتقدّم في صراعه مع عون نحو تمثيل آمال السعودية ومطالب الأميركيين.
بذلك يقول العرافون من أهل السياسة أن آل الحريري يتهيأون لاستعادة مرحلة أبو حسام لكنهم لا ينتظرون إلا نوعين من المدد يا أهل المدد، السياسة الخليجية وما يطورها من أموال قد لا تزيد في معظم الأحيان عن أموال قارون وشركائه.
لبنان إذاً دخل متاهة صراعات أجنحة الصيغة اللبنانية التقليدية ولم يتبق الا وليد جنبلاط يذهب للمرابطة في عين التينة، ويشجعه الأستاذ على بناء حلف شيعيّ درزيّ هو الوحيد الذي بوسعه فرض استقامة على الصيغة التقليدية وإعادة بناء لبنان على الطريقة الطائفية التقليدية إنما على أسس من النظافة والإيمان بمسألة واحدة وهي إنتاج أجيال جديدة للأرز تؤسس للبنان جديد له المقدرة على إطعام أبنائه مع بناء وطن لهم جميعاً.