عندما أعدّ بلال شرارة كتاباً ألّفته ثلّة من الشهداء…
د. خليل حمدان*
رحل بلال شرارة.
ترك بصماته بمواقف ولا أروع بمواجهة أحداث عصفت بلبنان بشكل عام، وجنوبه بشكل خاص، وبنت جبيل بشكل أخص.
غادرنا بلال غير تارك، وحفر على صخرة عمره تفاصيل مفعمة بحراك يجول في تفاصيل القلب، يحاكي الدم المسفوح في تضاريس الأرض، فينسكب على شكل انتصار وتحرير…
لأسباب لا يمكن حصرها تستدعيه بنت جبيل للكتابة عن تاريخها وتراثها الإنساني، فيعدّ بلال شرارة العدة لجزأين فيهما حكاية الحجر والبشر في الإقامة والسفر على أساس انها بلدة تستحق المحبة، ليستحضر عند كلّ واقعة أمين سعد «الأخضر العربي» وواصف وحسان شرارة ونافع بزي وغيرهم وغيرهم من الشهداء.
أجل، الحرب من أجل بنت جبيل كخوابي الزيت العتيق، يلفتك ما رسمه بريشته على شكل وجه شهيد قضى ومضى، يستوقفكم عنوان المُؤلف «الحرب من أجل بنت جبيل» تأليف ثلّة من الشهداء والإعداد لبلال،
ولأسباب لا يمكن حصرها تستدعي بنت جبيل دون أيّ أحد آخر للكتابة، هذا ما أراد البوح به في موهبة الحب كلّ خميس وسوق تعوّد الشمس لتصعد سلّم عيوننا إلى خلّة المشتى وتلّة مسعود وتلّة شلعبون، وهناك تعرّف الى الشهيد مصطفى شمران وأبطال أفواج المقاومة الللبنانية أمل..
في زمن التصحر العربي… وفلسطين في الانتظار، أنشدها شعراً وهو منها على مرمى حجر.
جمع القوافي ليحشدها في صدور المتطلعين للغد الواعد، والوجهة مقاومة طالما أسرج حصانه لتقترب منه الأمكنة فتصافحه أشجار الزيتون…
بلال شرارة هذا المدين لوالده الحاج رفعت على راحتيه تعلّم بنت جبيل والجنوب والعطاء والجغرافيا والوقت والانتماء. في تلك الأيام الخوالي كان الحاج رفعت مسكوناً بالعمل الاجتماعي والرعائي على اكثر من مستوى مع الامام القائد السيد موسى الصدر في مسيرة المحرومين والمعذبين.
أجل، لقد أعدّ بلال شرارة الكثير من الكتب، وكان دائماً يبحث عن أشلاء الشهداء ودماء الجرحى ليختزنها في كتاب «قانا وأخواتها»، ولكي لا ننسى فكان الحريص دائماً على حفظ يوميات المقاومة ليستهلك وقته ووقت الذين عمل معهم من آذان الفجر الى صلاة المغيب، ليحمل معه المرحوم يوسف ذيب أدوات الوصل والاتصال مع الأجيال القادمة لتحلّ في مجلدات.
ولكي لا ننسى…
بلال شرارة كثير المشاغل ومتنوّع الاهتمامات في المكتب السياسي لحركة أمل، الى مسؤوليته في العلاقات الخارجية لمجلس النواب، الى الحركة الثقافية في لبنان على مدى نشاطاتها واهتمامات المنتسبين اليها من أدباء وشعراء وأصحاب رأي. وبالرغم من هذا الكمّ والنوع من الاهتمامات فهو على موعد مع بنت جبيل في نهاية كلّ أسبوع ليودعها حبه وليستريح معها في هدأة الليل، أو يتسلل مبكراً لكرم التين في الوادي الذي أحب، وأيضاً حملها الى المنقلب الآخر من العالم الى بنت جبيل «ديترويت» في أميركا الشمالية حاملاً ما استجدّ من مؤلفات بين أمتعته.
بلال الحاضر دائماً على خطوط العطاء بكلّ أدائه الرائع يستهلك الوقت ليبوح بسرّه على شكل سطور وصفحات والحاضر على رأس عمله، كيف كان يجد الوقت لعطائه الغزير؟
استميح دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري أن استعير من مقدمته الرائعة لكتاب «قانا وأخواتها» الذي أعدّه بلال:
«أين تراه يجد الوقت ليعيد ترتيب صور حفلات الإعدام الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضدّ المدنيين… في أيّ ساعة من الليل ينقب عن دم الضحايا ويجمع أسماءهم وعناوينهم».
يقول بلال: أساساً أنا لا أنام كثيراً ولكن ما ان بدأت العمل في كتاب «قانا واخواتها» لم أعد أتجرأ على النوم… كنت أسمع أنين الضحايا.
وثم تأتي الإجابة في مقدّمة الأخ الرئيس نبيه بري لكتاب أعدّه بلال «الحرب من أجل بنت جبيل» لنفس السؤال: «أين يجد بلال شرارة الوقت خارج عمله الكثير للكتابة والشعر والتاريخ؟ وفي زحمة مهماتي التي تضغط على ليلي ونهاري، تأكدت انّ كثير الشغل كثير الوقت».
بلال شرارة يستريح في بنت جبيل، يتدثر ترابها الذي أحب، هذا مشجب لهمومك.
ستبقى ذاكرة في صفحات أرّختها ومسيرة قطعتها وانت لا زلت قريب من فلسطين ومارون وجبل الكحيل وتلال المشتى ومسعود وشلعبون في ماض لا يمضي فاسترح…. هل استرحت؟
لذويك الصبر والسلوان ولاخوانك في حركة أمل الوعد ان تستمرّ المسيرة وتبقى أنت، وبنت جبيل، على مرمى أحلامنا.
*عضو هيئة الرئاسة لحركة أمل