القضاء على الفقر: الصين أنموذجاً قابلاً للتعميم
} عدنان برجي*
حدّدت الهدف، رسمت الاستراتيجيّة، نفذّت الخطط المرسومة، فكانت النتيجة القضاء على الفقر في الصين في الموعد المحدّد عام 1920.
بعد خمس وأربعين يوماً على انتخابه في العام 2012 دعا الرئيس الصيني شي جينبنغ الى: «القضاء على الفقر، وتحسين مستوى معيشة الشعب، وتحقيق الرخاء المشترك، واعتبار كل ذلك» متطلبات جوهرية للاشتراكية»، إذ أن «الفقر ليس الاشتراكية»، و»القلق على الغذاء والكساء» ليس دليل نجاح في بناء العدالة الاجتماعيّة. مع الإشارة الى انّ عدد الفقراء في الصين لم يكن قليلاً على الإطلاق، فقد تمّ تصنيف واحدة من كلّ ثلاث مقاطعات على أنها تعاني من الفقر (832 محافظة فقيرة في العام 2013).
الاستراتيجية التي اعتمدت
1 ـ قرار سياسي واضح من أعلى الهرم، والتزام تنفيذه على المستويات الحكوميّة والحزبيّة كافّة.
2 ـ اعتماد استراتيجيّة تعليم الفقير الصيد بدل إعطائه سمكة كلّ يوم.
3 ـ الالتزام بانتشال مليون فقير من الفقر كلّ شهر، أيّ بمعدل 60 مليوناً سنوياً.
4 ـ دفع المدن والمناطق الغنيّة لأن تساعد المقاطعات الفقيرة بما يشبه التوأمة.
5 ـ تخصيص مناطق فقيرة بصناعات معيّنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر تمّ تحديد 30 محافظة في ستة مناطق لصناعة الألواح الضوئية.
6 ـ تمّ تعميم التجارة الالكترونية في 428 محافظة فقيرة وذلك في العام 2016.
7 ـ اعتماد بيع المنتوجات البسيطة عبر المنصات الالكترونية.
العمل التنفيذي
1 ـ العمل التقديري: بحث أسباب الفقر في كلّ منطقة، وبناء ملفّ لكلّ أسرة فقيرة، يتضمّن واقع الأسرة، ومؤهّلات أفرادها، واستكشاف قدراتهم.
2 ـ نقل الدم: عبر إعطاء الأسر الفقيرة إعانة ماديّة مباشرة لمدّة لا تزيد على السنة الواحدة، وتوفير السكن الملائم، بما يضمن الاستقرار النفسي ويزرع الثقة والأمل عند الأسر. وفي الوقت عينه توفير مستلزمات التنمية المستدامة في المنطقة التي يتمّ معالجة الفقر فيها: تأمين التعليم المجاني والإلزامي والعلاج الصحي والاستشفائي، والدعم المعنوي.
3 ـ خلق الدم: أيّ الدفع باتجاه كسب المال، من خلال تقديم قروض لا يتسلّمها الفرد، إنما الشركة المولجة بإحداث التنمية، التي عليها إيجاد فرص عمل للمساهمين الذين هم الفقراء أنفسهم، على أن توزع أرباح الشركة على الأفراد.
4 ـ إعادة توطين بعض مجموعات السكان لتوفير مستلزمات العيش الكريم.
5 ـ تشجيع السياحة الريفية، والمساهمة في تحويل منازل ريفية من خلال المؤسسات الحكومية وأصحابها لتصبح بمثابة فنادق صغيرة، في نهاية الأسبوع وأثناء العطل الرسمية.
6 ـ دعم المشاريع المحليّة، بما يتناسب وقدرات كلّ منطقة، ومدّ أصحاب المشاريع بالخبرات اللازمة وتوفير المساعدة لهم لتصريف الإنتاج.
التعاون مع المؤسسات الدولية
لم تحتكر الصين تجربتها في القضاء على الفقر، إنما انطلاقاً من قناعة لدى قيادتها الحالية، بالمصير المشترك للبشرية، فإنها تعاونت وتتعاون مع: المركز الدولي للتخلص من الفقر، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، والمنتدى رفيع المستوى للتنمية والقضاء على الفقر، ومنتدى الصين – آسيان للتنمية الاجتماعية والقضاء على الفقر، ومؤتمر الصين– أفريقيا للتنمية والقضاء على الفقر.
هل يمكن للبنان والمنطقة العربية الاستفادة من التجربة الصينيّة؟
الجواب نعم. وقد بدأت بعض الدول الاستفادة من التجربة، كمصر على سبيل المثال، التي استطاعت خلال سنوات قليلة بناء شبكة طرقات ومواصلات حديثة تربط بين الريف والمدينة، ولا بدّ من استكمال ذلك لتثبيت الريفيّين في أرضهم وتوفير أسباب الحياة السعيدة لهم، بدل الهجرة الى المدينة. انّ التركيز على اقتصاد المركز وإهمال المناطق، أدّى إلى متناقضين: إغناء أفراد وإفقار مجتمعات، وتلك أكبر المعضلات التي تواجه استقرار أيّ مجتمع.
اقتراحات للبنان من واقع التجربة الصينية في ظلّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي الخانق:
1 ـ لقد توافرت للبنان فرصة في بداية تسعينيّات القرن الماضي لوقف نزيف الهجرة من الريف الى المدينة، لكن للأسف فإنّ إصرار البعض على تكرار تجربة الستينيّات الاقتصاديّة، على الرغم من المتغيّرات الجغرافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، أدّى الى الواقع المأزوم الذي يعيشه الّلبنانيّون.
2 ـ هناك حالياً قرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار. هذا القرض يصبح دَيْناً إضافياً على الّلبنانيّين، في حال توزيعه مبالغ ضئيلة على الفقراء بصيغة «أعطه سمكة»، ويصبح وسيلة للقضاء على الفقر إذا اعتمد المسؤولون صيغة: «علّمه الصيد».
3 ـ ينبغي، تعديل مناهج التعليم المهني لتتلاءم والتطورات التقنيّة الحديثة من جهة، وتلائم الاقتصاد الريفي من جهة ثانية: زراعة وصناعة تحويليّة.
4 ـ في كلّ قرى الريف اللبناني هناك طلّاب جامعيون، يتقنون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويبحثون عن عمل، فماذا لو أنّ في كلّ قرية بادرت مجموعة شبابية الى بناء منصّة الكترونية للتجارة. من جهة تعرّف المستهلك بإنتاج القرية، ومن جهة ثانية تربط بين المنتج والمستهلك وتوصل البضاعة إلى شاريها مباشرة، بدل المرور بالتاجر الوسيط الذي يكسب على حساب الإثنين معاً. إنّ من يعمل بالزراعة وتربية المواشي، في البقاع أو عكار، يعرف كيف أنّ إنتاجه قد يضيع عند تاجر الجملة.
5 ـ ماذا لو بادرت كلّ بلدّية الى تحويل منزل تراثي في القرية الى فندق للسياحة الداخلية، بما يتلاءم وطبيعة القرية وأخلاقياتها. فكم من المهاجرين من أبناء القرى لا يملكون منزلاً في قراهم، فتكون المنازل السياحية تلك متنفساً لهم، ومصدراً شريفاً لعمل أبناء القرية.
الخلاصة
إنّ البشريّة أمام تجربة رائدة في القضاء على الفقر، وقد تكون لها خصوصيّاتها وظروفها، لكن إذا توافرت الإرادة، والصدق، والإخلاص، لاستطاع كلّ مجتمع ان يقضي على الفقر داخله، فالفقر كما قال القائد الراحل جمال عبد الناصر ليس إرثاً.
*مدير المركز الوطني للدراسات – لبنان