قراءة أولية لنتائج انتخابات الكنيست 24
سعاده مصطفى أرشيد*
كما كان متوقعاً، جاءت نتائج التصويت غير حاسمة بالمعنى العام، ولا زال اليقين من النتائج النهائيّة غير متوفر، وإن اختلفت في بعض التفاصيل منها تراجع الحزب الثاني – حزب «أزرق أبيض» إلى درجة متدنّية، فيما ذهبت الأصوات التي حصل عليها سابقاً إلى من هو أكثر يمينيّة وتطرفاً، حزب نفتالي بينيت، الذي حلّ محله بالدرجة الثانية، ومنها انقسام الصوت الفلسطيني إلى كتلتين حازت الأولى على ستة مقاعد، وهي ذات شعارات شعبويّة، لها خيوطها القوية مع السلطة الفلسطينية، ولا ترى ما يمنع من التحالف مع أحزاب صهيونيّة معتدلة وترفع شعار إسقاط اليمين، مثل حزب العمل الذي أسس تلك الدولة وخاض حروبها، وكسر العظام في الانتفاضة الأولى، وحكمها منفرداً حتى عام 1977، قبل أن تبدأ مرحلة تداول السلطة مع الليكود، وحازت الكتلة الثانية على 5 مقاعد، والتي تعتمد شعارات خدميّة، ترى أن السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير هما من فكّتا ارتباطهما مع فلسطينيي الداخل، بدءاً من برنامج النقاط العشر وانتهاء باتفاقية أوسلو 1993 ومفاعيلها، من تنسيق أمني وسياسي، وكذلك، أنها تستعمل الصوت العربي في انتخابات الكنيست في سبيل تعزيز علاقتها مع الحكومة (الإسرائيلية)، وعلى حساب أصحاب ذلك الصوت، لذلك ترى هذه القائمة، أنّ المواطن الفلسطيني (الإسرائيلي)، قد أصبحت له همومه وحاجاته، وهي هموم وحاجات غير حاجات الفلسطيني في الضفة وغزة والخارج، ثم أنها ذات طبيعة معيشية خدميّة، تقلقهم الجريمة المنتشرة والفلتان الأمني في وسطهم، وترهقهم السياسات الضرائبية والأزمات الاقتصادية والبطالة، والكتلة لا تجد ضيراً على ما يبدو في العمل والتحالف مع أي من الأحزاب الصهيونية اليمينية، العدوانيّة، والتي تفاخر بعدوانيّتها وتزايد على بعضها في تطرفها، إذا كانت مستعدة أن تؤمّن للمواطن قدراً من الأمان، أن تكافح الجريمة، أن توفر فرص عمل، أن تزيد من مخصصات الرعاية الاجتماعية والصحية، ومع ظهور النتائج الأوليّة أخذت هذه القائمة تتلقى اتصالات، لمعرفة موقفها وفرص تعاونها، فيما صرّح رئيسها منصور عباس انه لا ينوي الكشف إذا كان سينضمّ إلى معسكر نتنياهو أم المعسكر المنافس، وأضاف أن ما يهمّه هو مقدار الاستجابة إلى متطلبات وحاجات جمهور ناخبيه أولاً، وانه غير مهتمّ بأن يشارك بالحكومة، وإنما أنه مستعدّ لإعطاء شبكة أمان برلمانيّة لمن يلبّي مطالبه وحاجات ناخبيه. مع أنّ القراءة لا زالت أولية وانطباعية وحذرة، ففي كل لحظة يظهر في موضوع الانتخابات جديد، آخره عن إعادة فرز بعض الصناديق.
ولكن من الممكن تسجيل بعض الملاحظات:
أولاً: إنّ الانقسام في (إسرائيل) عمودي، واليسار واليمين على حد سواء، يريدون ما استطاعوا، الحفاظ على نقاء القرار، وذلك بأن يبقى يهودياً صهيونياً صرفاً، من دون شراكة مع أبناء البلد وأصحابها الشرعيين، برغم أنّ أحزاب هؤلاء سبق لها أن تعاونت مع أحزاب اليسار الصهيوني وصقورهم – مكسري العظام في الانتفاضة الأولى، ومنحتهم شبكات أمان برلمانيّة كما حصل مع إسحاق رابين في السابق، وبحجة منع اليمين من الحكم حيث إنه يفوق اليسار عدوانيّة، ونتيجة لتوسط الرئيس الفلسطيني السابق الذي كان يرتبط بعلاقة وشراكة مع رابين، ولما كان ذلك كذلك، فإنّ (إسرائيل) أمام خيارات صعبة، إما المحافظة على نقاء القرار يهودياً صهيونياً، وإما أن يستطيع نتنياهو شق بعض الأحزاب واستلاب بضعة مقاعد برلمانية منها، وإما الذهاب إلى انتخابات خامسة في أيلول المقبل، بالطبع من دون أن ننسى خيار تجرّع الحنظل بالقبول بتشكيل حكومة، تحميها شبكة الأمان البرلمانية العربية.
ثانياً: أنّ كتلة منصور عباس، ستكون بيضة القبان في حال تشكلت حكومة، بغضّ النظر عمّن يشكلها، من الواضح أنّ منصور عباس، لا يطمح بمقعد وزاري أو شراكة حكوميّة، وإنما يريد تحقيق وعوده لجمهور ناخبيه، فهو يسير في أول طريق طويل، ونجاحه في ذلك يزيل أية عقبات في ذلك الطريق – أي في الانتخابات المقبلة، يريد أن يعالج مسألة الجريمة في المجتمع الفلسطيني، البطالة، الفقر، القرى غير المعترف بها في النقب، وإن استطاع تحقيق ذلك أو بعضاً منه، فسيكون قادراً على تكريس زعامة ذات عمر طويل، وسيرى الناخب الفلسطيني أن ذلك أجدى لمصلحته ولبقائه من آذان الله أكبر، يتلوه عضو كنيست غير معروف بتقواه، من على منصة البرلمان، أو من شتيمة يطلقها آخر على نتنياهو. لكن في هذه الحالة ستفقد الحكومة نقاءها اليهوديّ الصهيونيّ، إذ أنّ شبكة أمانها ستبقى في يد عباس منصور، الذي سيتحكم باستقرارها ربما لأربع سنوات طوال، من الجدير ملاحظة أنّ الرجل يهمّه في الدرجة الأولى جمهور ناخبيه، أكثر ما يهمّه الوضع الفلسطيني العام، والثانية أن ارتباطات واستثمارات خليجيّة ترعى الرجل وكتلته البرلمانيّة، وبالتالي فإنّ إعطاءه أية حكومة قادمة شبكة أمان سيكون أمراً مشتركاً مع رعاته الخليجيين، ومرتبطاً بترتيبات إقليمية لا محلية فقط.
ثالثاً: أنّ السلطة الفلسطينية، في حال تشكلت حكومة مستقرة برئاسة نتنياهو، فإنّ إمكانية تقديمها تسهيلات تتعلق بمشاركة أهل القدس في انتخابات المجلس التشريعي في أيار المقبل – إنْ حصلت – ستكون شبه مستحيلة، الأمر الذي يعني أن تجري السلطة انتخابات بدون القدس أو ان تؤجل الانتخابات لما بعد رحيل الحكومة (الإسرائيلية) وهو في هذه الحالة موعد غير معلوم، كذلك فإنّ العودة للتفاوض ستصبح شبة مستحيلة، ونتنياهو سيبقى متربعاً على رأس الحكومة حتى عودة ترامب او بومبيو او من هو على شاكلتهم للبيت الأبيض في نهايات 2025. الأيام لا زالت حبلى بالأخبار، والقراءة سريعة وليست نهائية، ولكنها على استعجالها، تحاول رسم الصورة كما هي، من دون تجميل أو تشنيع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سياسي فلسطيني مقيم في جنين – فلسطين المحتلة.