الإرادة الوطنيّة في مواجهة الفراغ السياسيّ
بشارة مرهج _
رغم الانهيار الحاصل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، ورغم انتشار الجريمة وتفشي السرقات وصولاً الى أعمدة الكهرباء و”راغارات” الطرقات، لا يزال الشلل يطوّق حكومة تصريف الأعمال، ولا تزال الحكومة العتيدة محلّ استعصاء نظراً لطغيان التعنّت على العقل، وتغليب الذات الفئوية على المصلحة الوطنية، وتهرّب معظم الفئات السياسية من تحمّل مسؤولية القرارات الصعبة التي تتطلبها المرحلة، وبخاصة في ما يتعلق باعتماد رؤية اقتصادية جديدة تفرض نفسها بعد تداعي النموذج التسلطي الاحتكاري القديم.
ويكتمل مشهد العجز بالتهرّب من مواجهة التحديات المرتبطة بتلاشي الاحتياطي الإلزامي وتهديد اللبناني في رغيفه ودوائه فضلاً عن غياب القرارات التي يُفترض اتخاذها لرفع اليد الثقيلة لحاكم البنك المركزي وجمعية المصارف عن الاقتصاد الوطني وأموال المودعين بعد إمعانهم في إساءة الأمانة وتضليل الجمهور وإصرارهم على استبعاد التحقيق الجنائي تفادياً لأيّ محاسبة تكشف مسؤولياتهم المباشرة عن هذا الانهيار وتداعياته، تلك التداعيات التي باتت تشكل اليوم أخطاراً وجودية على لبنان وأهله، لا سيما الفئات محدودة الدخل والقوات المسلحة.
وإزاء هذا الواقع المهترئ المجبول بالفساد والذي لم تعد تنفع فيه المسكنات المستوردة والمعالجات المجتزأة أصبحت الحاجة ملحة اليوم لإجراءات حاسمة تعالج القضايا المطروحة في ضوء هذه الرؤية الجديدة التي تركز على تحفيز قطاعات الإنتاج والمعرفة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات ذات القيمة المضافة، كما تتوجه إلى التشبيك مع دول المحيط العربي والإقليمي وصولاً إلى الدول الصاعدة على المستوى الدولي، وتسعى في الوقت نفسه الى التحرّر من سلطة المال والاحتكار وصولاً الى استعادة أموال الدولة والناس من ناهبيها، وإعادة توزيع الناتج الإجمالي بصورة عادلة عبر نظام حديث يعتمد الضريبة الموحدة على الدخل، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وضبطه تحت سقف القانون والممارسة الشفافة، لا بل العمل على إحياء هذا القطاع بعد أن عطلته المافيا المالية وحوّلته الى منصة صرافة تجفف أموال اللبنانيين وتعطل الحركة الاقتصادية كلياً.
وانطلاقاً من كلّ ذلك ندعو قوى الديمقراطية والعدالة والتغيير في لبنان الى التعاون والعمل المشترك لإنقاذ البلاد واقتصادها وسمعتها وأجيالها الجديدة المهدّدة بالفقر المدقع والبطالة والهجرة الجبرية.
1 ـ وكخطوة أوليّة في هذا السبيل نقترح توحيد الكلمة الشعبية الداعية الى محاسبة حاكم مصرف لبنان ومحاسبة مجلس إدارة جمعية المصارف نظراً لفشلهم الذريع في إدارة الشأن النقدي والمصرفي ومشاركتهم الطبقة الحاكمة في استباحة أموال المودعين ورفع معدلات التضخم وإفقار الشعب وتدمير مؤسسات الدولة وتصديع سمعة البلاد.
2 دعوة القضاة المؤمنين بسموّ العدالة وحقوق الإنسان الى التحرر من سلطة الهيمنة والإملاء ومضاعفة جهودهم في ملاحقة الفاسدين والمحتكرين والمتلاعبين بسعر الصرف وسلامة الغذاء والدواء والممتنعين عن إعادة الأموال المنهوبة وكلّ المشاركين في عمليات تهريب الأموال الى الخارج.
3 ـ دعوة موظفي الدولة اللبنانية ومدرائها العامين بصورة خاصة الى القيام بواجباتهم على أكمل وجه والحفاظ على رغيف اللبنانيين وحقوقهم وأموالهم رغم الفراغ الحاصل في السلطة التنفيذية وإصرار الطبقة الحاكمة على التنصل من المجزرة المالية المستمرة بحق الناس كما من المجاعة المخيفة التي تدقّ أبوابهم.
4 ـ دعوة هيئات الرقابة الى ممارسة صلاحياتها كاملة في مراقبة الإنفاق العام وجدواه، إضافة الى أداء الموظفين وسلامة المناقصات العامة، وملاحقة كلّ مخالف يعتبر غياب الدولة المؤقت فرصة ذهبية للإمعان في ابتزاز المواطنين والسطو على المال العام.
5 ـ وفي هذا الإطار ننبّه الى أنّ لبنان اليوم على وشك خسارة ثروته النفطية والغازية في مياهه الإقليمية الجنوبية إذا لم يعدّل المرسوم 6433 الصادر عام 2011 الذي حدّد فيه لبنان مياهه الإقليمية خطأً وأودعه الأمم المتحدة عام 2011، ليتبيّن لاحقاً أنّ حقول لبنان في مياهه الإقليمية لا تقلّ عن 2290 كلم سنداً للمرجعيات القانونية والدراسة التي قام بها الجيش اللبناني والمستندة الى دراسة طبوغرافية بريطانية مما يستدعي إصدار مرسوم تصحيحي فوراً يوقعه المعنيون ويُرسَل الى الأمم المتحدة مع الخريطة المستحدثة والقانونية، علماً بأنّ هذا الأمر يقتضي إنجازه قبل 1/6/2021 كي لا يقوم الكيان الصهيوني بإيجاد أمر واقع في مياهنا الإقليمية، وكي لا يؤدّي الإهمال والتمنّع الى خسارة لبنان قسم كبير من ثروته…
*نائب ووزير سابق