السعودية هُزمت في اليمن كيف تخرج… وأيّ حلّ ممكن؟
العميد د. أمين محمد حطيط _
بعد شعورهم بالعجز عن تحقيق أيّ هدف استراتيجي أو عسكري في الميدان اليمنيّ طرح السعوديّون ما أسموه مبادرة في اليمن لإنهاء الحرب، تضمّنت وقف إطلاق النار مع فتح جزئي محدود ومقيّد لمطار صنعاء وميناء الحديدة، وكان منطقياً أن تردّ الحكومة الوطنية اليمنية في صنعاء على هذا العرض بالرفض القاطع، بخاصة أنها رأت فيه مقايضة للمسائل الإنسانيّة بعناصر من الموضوع الأساس المتصل بالعدوان الوحشي التدميري الذي تمارسه السعودية منذ 6 سنوات على اليمن. والآن وبعد العرض والردّ السلبي عليه يطرح السؤال حول مسار المسألة اليمنية بعد جملة التطورات والتحوّلات الميدانية والإقليمية والدولية؟
من المفيد بدءاً أن نؤكد بأنه من الوجهة العسكرية والاستراتيجية خسرت السعودية الحرب على اليمن خسارة من الطبيعة التي لا يمكن تعويضها أو حجبها، فالسعودية شنّت الحرب تحت عنوان كاذب مزعوم هو دعم الشرعية و”إجهاض ما أسمته الانقلاب الحوثيّ”، وتمكين عبد ربه منصور هادي من حكم اليمن بقيادة سعودية أميركية وإبعاد الحوثيين عن أيّ موقع لا بل عزلهم واجتثاثهم من اليمن باعتبارهم جماعة إرهابية، بالتوصيف السعودي.
ومن أجل تحقيق هذا الغرض شكلت السعودية تحالفاً عربياً إقليمياً مدعوماً من الغرب الأطلسي بقيادة أميركية دعماً واسع النطاق إلى حدّ ظهر كما لو أنّ الحرب هي حرب الأطلسي و”إسرائيل” ضدّ مَن يهدّد أمنهم المباشر، وأنفقت السعودية مليارات الدولارات على هذه الحرب تسليحاً وبدلات مرتزقة وخدمات ميدانية، ودمّرت السعودية في حربها العدوانية على اليمن معظم البنى التحتية ومرافق الإنتاج والاقتصاد اليمنيّ، كما أنها قتلت وشرّدت الألوف من أبناء اليمن ووضعت أكثر من مليون طفل يمنيّ في دائرة خطر الموت لنقص في الغذاء والدواء.
لكن رغم كل تلك المآسي التي سبّبها العدوان على اليمن، تمكنت القوى الوطنية اليمنية بقيادة أنصار الله الحوثيين من الصمود أولاً (رغم أنّ جهوزية ما لديها من وحدات عسكرية لا تتعدّى الـ 25%، أيّ أنها عملانياً خارج الميدان)، ثم تلمّس طرق التصنيع العسكري (رغم الحصار) ثم القيام بالتحرّش الإزعاجي لمواقع العدوان في اليمن أو على الحدود السعودية اليمنية، ثم كانت المفاجأة الكبرى التي تمثلت بعمليات الردع الاستراتيجي بقصف أهداف في العمق السعودي وللتأثير من خلالها على حركة النقل الجوي والطيران المدني والعسكري ودورة النفط والأمن والاستقرار في الداخل السعودي، عمليات ترافقت في داخل اليمن مع عمليات عسكرية نوعية قادتها القوات المسلحة اليمنية المتشكلة من الجيش الوطني اليمني واللجان الشعبية، تمكنت هذه القوى من خلالها توسيع سيطرتها على الأرض اليمنية في الغرب والشمال والعمل باتجاه الشرق والجنوب بشكل يحرم العدوان من بناء قاعدة مستقرة تمكنه من القول بأنه حقق نصراً ميدانياً يُعتدّ به أو يُبنى عليه.
في ظلّ هذا المشهد وما فيه بات من المؤكد ومحلّ إجماع لدى جميع المتابعين والمراقبين، أنّ السعودية فشلت في عدوانها على اليمن وأنّ مزيداً من الوقت سيحمل مزيداً من التهشيم والتحطيم المعنوي والضرر العسكري والمدني للسعودية. وفاقم هذا الوضع المزري للسعودية تحلل الحلف العدواني الذي أنشأته للعدوان على اليمن وتراجع الغرب الاستعماري من أوروبي وأميركي عن دعمها فيه أو تحمّل المسؤولية عن الجرائم الوحشية التي ارتكبتها السعودية في اليمن شاملة جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وكلها جرائم لا تسقط بالتقادم ويبقى لليمن الحق بالمداعاة بها عندما تتهيأ الفرص والظروف لذلك.
بعد كل هذا تأتي السعودية وتعرض ما أسمته مبادرة لوقف الحرب. مبادرة تتضمّن وقف إطلاق النار مشروطاً بقبول “الحوثيين” للعرض، متناسية في ذلك حقائق العدوان وقافزة فوق جرائمها، وتحاول بعرضها أن تخفي حقيقة ساطعة تتمثل بالقول بأنّ الحرب كانت نتيجة عدوان بقرار سعودي مدعوم من أميركا وأنّ وقفها وفقاً للمنطق السليم يكون أيضاً بقرار من الجهة ذاتها بوقف العدوان ووقف كلّ تبعاته ومعالجة آثاره. ولذلك نرى الرفض اليمني للمناورة السعودية هو رفض منطقي ويقع في موقعه الصحيح من المجابهة، بخاصة أنّ في العرض السعودي كسباً مجانياً للسعودية من وجوه خمسة:
أولها وقف عملية تحرير مأرب وهو تحرير سيقلب المشهد الميداني في اليمن رأساً على عقب ويغيّر جذرياً من قوة المواقع التفاوضيّة عند البحث السياسي، ويحسم أموراً كثيرة ذات طبيعة استراتيجية واقتصادية وشعبية.
ثانيها إظهار السعودية بوجه إنساني من خلال التخفيف الجزئي والمحدود للحصار الوحشي الذي تمارسه.
ثالثها كسب الوقت لوقف الانهيارات في البنى السعودية العسكرية في داخل اليمن والأمنية والاقتصادية في العمق السعودي.
رابعها تجاوز الآثار السلبية لتحلل التحالف العدواني، إذ بوقف النار لا تبقى حاجة قائمة للقوى في الميدان،
خامسها تجنّب الإحراج في العلاقات السعودية الغربية (أوروبا وأميركا) الناتج عن قرار غربي ظاهري بوقف تزويد السعودية بالسلاح الهجومي.
أما على الجانب اليمني، فإنّ العرض السعودي يحرم حكومة صنعاء من مكاسب ميدانيّة باتت في متناول اليد، كما يفوّت عليها فرصة رفع الحصار الظالم وغير القانوني والوحشيّ ويُبقي اقتصاد اليمن خلال مهلة تطول أو تقصر ولا يعلم أحد مداها رهينة القرار السعودي.
لهذا كان الرفض اليمني لما أُسمي مبادرة سعودية في اليمن رفض في محله الصحيح، حيث وجدت القوى اليمنية فيه خديعة لمصلحة العدوان ونحن نؤيدها في ما ذهبت اليه ونرى أنّ أيّ مبادرة جادة وعادلة لوقف الحرب في اليمن ينبغي أن تتضمّن ما يلي:
إعلان من قبل المعتدي بوقف العدوان بشكل شامل عبر وقف إطلاق النار الشامل يبدأه المعتدي ثم يتبعه المدافع.
فك الحصار عن اليمن وبشكل تام وشامل وتمكين حكومة صنعاء من فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة من دون أي قيد أو شرط.
سحب القوات الأجنبية من اليمن، مع تعهّد بوقف كافة العمليات العسكرية على الأرض اليمنية.
وقف شامل لإطلاق النار على اليمن ومنها وفيها.
الذهاب إلى التفاوض لإيجاد الحلّ السياسي بين اليمنيين.
*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي