سيّدة الأرض
شيرين أسامة القادري
حدّثوني عن جمالِ أوطانِهم، فحدّثتهم عن أجملِ الأوطان وزينتهم.
من شدة جمالها كان الجميع يلتفّ حولَها، والعيونُ ترحلُ إليها كلّ يوم.
منهم مَن كانت نظراته بريئة ومحبّة،
ومنهم مَن كان ينظرُ نظرةَ مفترسٍ حاقد يرغبُ بامتلاكِ ما ليس له بالقوة.
فبينما كان “روتشلد اليهودي” ينظرُ بشراهةٍ إلى سيدةِ الأرض، متمنياً الحصول عليها، كان “آرثر بلفور البَريطاني” يجلسُ إلى جانبهِ وينظرُ إليه بعينِ التعطف…
وإذ به يتعهدُ له أنه سيعطيه إياها.
تعهّد بلفور لصديقهِ وأوفى بعهده، فأعطاهُ الضوء الأخضر للاعتداء عليها؛ فاحتلها بالقوة!
ولم يكتفِ بذلك وحسب، إنما اغتصب أرضها بشراسةٍ، وانتزع عذريّتها من دون أن يرفَ جفنُ العروبة.
فجّر، قصَف، هجّر، شرّد، يتّم، وارتكب أفظع المجازر بحقّ شعبها.
وما كان ينقصها إلا سايكس بيكو ليكمل عليها، فمزّق رحم الصلة بينها والعرب، ولم يعد للمّ الشمل معنى.
مضى أكثر من 70 عاماً وهي ما زالت تعاني ألم النزيف،
والشرف العربيّ ما زال خارج نطاق الخدمة.
فليست النكبة فيها، إنما النكبة في العروبة النائمة منذ العام 1948.
تلك السيدةُ البهيةُ الجبارةُ العظيمة،
سيّدة الأرض أمّ البدايات، أمّ النهايات،
مؤمنة بأنّ في ظهرِها أعظم الأنبياء،
ولها في السماء رب لن يُخذلها كما فعل بها أهل الأرض…
كلّ الآلام تحمّلتها من دون أن تصرخ، ودفنت وجعها في قدسها.
فالبوصلة الحقيقية هي،
وقبلة العرب المسلمين والمسيحيين،
ومهد الديانات السماوية وعنوان وجودنا هي،
هي “فلسطين”.
مهما طغى الأقوياء على الضعفاء، لا بدّ أن ينتصرَ الحقُ يوماً،
لأنّ “الحق يعلو ولا يُعلى عليه”.
ومَن يمتلك السلطة والقوة لزرع الظلمِ والاستبداد لن يحصد إلا الخسارة.
فإذا البارودة لا تخيف عدواً، والرصاص لا يجدي نفعاً،
والصواريخ لا تُعيد أرضاً،
فالحق سلاح المظلوم لمحاربة الفساد، وسلاح السَجين لمقاومة الجلاد، وسلاح المعتقل للتصدّي للاحتلال.
وعندما يتعلقُ الأمر بفِلسطين لا توجد إمكانية لا للتحاور، لا للتفاوض، لا للمساومة، بل توجدُ فقط المقاومة.