شظايا اتفاق طهران – بكين يحطّم أحلام نتن ياهو… باي باي صلح الحديبية النووي!
محمد صادق الحسيني
عندما ينشر الموقع الإلكتروني، لصحيفة «جيروساليم بوست الإسرائيليّة»، ظهر يوم 30/3/2021، تحذيراً صادراً عما يًسمّى
«مجلس الأمن القومي الإسرائيلي»، جاء فيه أنّ على «الإسرائيليين» أن لا يسافروا الى كل من:
مصر، بما في ذلك سيناء، الأردن، الإمارات العربيّة المتحدة، بما في ذلك دبي، والبحرين، وتركيا، والمحافظات الشمالية في العراق، وأذربيجان وجورجيا، وذلك بسبب وجود «تهديدات إيرانية حقيقيّة»، حسب مجلس الأمن القومي، من تنفيذ إيران لعمليات انتقامية ضدّ «إسرائيليين» في البلدان المذكورة أعلاه. نقول إنه عندما يتمّ نشر تحذير كهذا من أعلى سلطة أمنيّة في كيان الاحتلال، فإن ذلك يؤكد:
- إنّ كيان الاحتلال، بكلّ مستوطنيه، يعيش تحت الحصار المطبق، ولَم تفتح لهم أية آفاق على الإطلاق، بل ربما إنّ مسارات إخلائهم من فلسطين المحتلة قد تفتح قريباً، ليعود الشعب الفلسطيني المشرّد الى أرضه المحتلة. علماً انّ جميع أفراد المجتمع الاستيطانيّ، في فلسطين المحتلة، هم جنود في
جيش الاحتلال الصهيوني، سواءٌ منهم من هو في الخدمة الفعلية أو مَن تركها وأصبح أحد أفراد الاحتياط، حسب القوانين
الصهيونية، التي تخضعهم لشهر من الخدمة الفعلية، في صفوف الجيش، كل عام، وبغض النظر عن وظائفهم. اذ يشمل هذا القانون العسكري كل أفراد المجتمع، إناثاً وذكوراً، من سن 18 الى 60 عاماً.
- إنّ بهلوانيات نتن ياهو وأكاذيبه وتدليسه، حول نجاحاته،
في إحداث اختراق في خطوط الصداقة العربية وتطبيعه العلاقات، مع بضعة نواطيرَ نفطٍ في الخليج الفارسي، وفتح آفاق جديدة وواسعة للإسرائيليّين واقتصادهم، لم تكن (البهلوانيّات) سوى سراب لن يتحوّل الى ماء أبداً.
- إنّ «الانتصارات» التي حققها نتن ياهو ضدّ إيران، سواء «بوصوله الى داخل طهران وسرقة أرشيفها النووي»، حسب ما عرضه في مسرحيته التلفزيونيّة، قبل ثلاثة أعوام، أو باغتيال العالم النووي الإيراني، قائد جيش العشرة آلاف عالم نووي إيراني، الدكتور محسن فخري زاده، أو بالعمل التخريبيّ، الذي تمّ تنفيذه في محيط مفاعل «نطنز» العام الماضي، إنما هي خطوات قد جعلت محور المقاومة، كاملاً، يحثّ الخطى ويضاعف الجهود، لإنهاء الاستعدادات الضرورية، لتنفيذ الفصل الأخير من الهجوم الاستراتيجيّ، لهذا المحور، والهادف الى تحرير كامل فلسطين المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وقبلتها المسجد الأقصى المبارك، وكنيسة القيامة، الى جانب مهد سيّدنا المسيح، وكنيسة المهد في بيت لحم.
وهو ما يعني أنّ محور المقاومة لا يسعى إلى تنفيذ عمليات انتقام هنا وهناك، كما تعتقد أجهزة الأمن الصهيونية، وإنما هو يعمل، ليل نهار، على استكمال استعداداته، الرامية الى القضاء على قاعدة المشروع الاستعماريّ الغربيّ، الكيان الصهيونيّ، المقام في فلسطين المحتلة، وبالضربة القاضية، بعد الانتصارات التي حققها هذا المحور، على المشاريع الأميركية
والأوروبية في «الشرق الأوسط» بالنقاط، سواء في لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن أو فلسطين.
4 ـ أنّ تبجّحاته، بُعيد توقيع اتفاقياته مع مشيخات النفط في الخليج الفارسي، بأنّ كيانه قد أصبح قريباً من حدود إيران، قد أثبتت أنها تبجّحات جوفاء ولا قيمة لها على الإطلاق. فها هو بدل أن يجتاح دوله، بالسياحة والسياسة والاقتصاد والحضور الأمني والعسكري، يضطر لتحذير مستوطنيه من السفر ليس فقط إلى دول «فتوحاته» الجديدة وإنما حتى الى تركيا ودول شمال القوقاز، مما يؤكد انّ سياسات محور المقاومة المدروسة جيداً، والمستندة إلى فهم وتحليل عميقين، للظروف الموضوعية المحلية والإقليمية والدولية، قد أسفرت عن تضييق الخناق على نتن ياهو ومستوطنيه وجعلت قوات محور المقاومة تقف على بعد خطوةٍ من النصر النهائيّ.
أما في ما يتعلق بالعوامل الكثيرة الأخرى، التي نجح محور المقاومة، وعلى رأسه إيران، في تجييرها لصالحه، تعزيزاً لمقومات صموده المختلفة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، فلا بدّ من الإشارة الى سياسات الحليف الأقرب والأقوى، لنتن ياهو وكيان الاحتلال في فلسطين المحتلة، خلال السنوات الأربع الماضية، الرئيس الأميركي الاسبق دونالد ترامب، والذي نفَّذ الكثير من الخطوات المعادية لمحور المقاومة ولقضيته المركزية، القضية الفلسطينية، كَسَوقِهِ نواطير نفط الخليج الفارسي، لإعلان تطبيع علاقات مشيخاتهم، مع كيان الاحتلال، والاعتراف بـ «سيادة» الكيان الصهيوني على الجولان السوري المحتلّ، ونقل سفارة واشنطن الى القدس المحتلة، واعتراف الولايات المتحدة بـ «سيادة» كيان الاحتلال عليها وإعلانها عاصمةً لهذا الكيان… وفرضه أقسى العقوبات المالية
والاقتصادية، على إيران، والتي ترقى الى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانية.
نقول إنّ هذه السياسات، المرتجلة والفاقدة أية مسوّغات قانونية او أخلاقية، علاوة على كونها لا تستند لأية تحليلات، للظروف الموضوعية الاقليمية، او لموازين القوى الإقليمية والدولية، قد أسفرت عن نتائج كارثيّة على السياسات الأميركيّة والمصالح
الأميركيّة، في منطقة غرب آسيا والعالم أجمع.
وأهمّ هذه النتائج هي التالية:
1 ـ انتزاع المبادرة الاستراتيجية، وعلى جميع الصُعُد من يد الولايات المتحدة، وانتقالها الى أيدي قوىً دولية صاعدةً جديدةً، وبالتالي إنهاء سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة على مقدرات العالم.
وهذا يعني أن ساعة تراجع الإمبراطورية الأميركية وبداية أفولها قد أزَفَتْ، تماماً كما حصل مع الامبراطورية البريطانية، بعد الحرب العالمية الثانية والعدوان الثلاثي على مصر. لكن فترة تحلل الإمبراطورية الأميركية وتفككها لن تأخذ وقتاً طويلاً، كما حصل مع بريطانيا التي استغرق أفول الشمس عن إمبراطوريتها عشر سنوات ونيِّفاً، وإنما سيكون سقوطها أسرع بكثير.
2 ـ انقلاب، غير معلن، في موازين القوى الدولية الاستراتيجية، من خلال تعميق التعاون والتنسيق الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، بين جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة اذا ما وضعنا التقدم او التفوق الهائل، لهذا التكتل من الدول، في المجال العسكري على القدرات العسكرية لبقية التكتلات في العالم. فها هو، على سبيل المثال لا الحصر، صاروخ تسيركون الروسي Zercon، الذي تبلغ سرعته أحد عشر ألف كيلومتر في الساعة، يدخل الخدمة الفعلية في سلاح البحرية الروسي، وسيدخل الخدمة في الجيش الروسي، سلاح الصواريخ، في العام 2022، حيث سيتمّ نصبه في قواعد برية لينطلق منها الى أي هدف في الدول المعادية.
3 ـ ومن بين أهمّ الأدلة، على فشل السياسات الأميركية، بشكل عام وبما في ذلك سياسات الرئيس جو بايدن، وليس فقط سياسات دونالد ترامب، هو الفشل الأميركي المدويّ، في إخضاع إيران وإجبارها على قبول اتفاق نوويّ جديد، على قياسات نتن ياهو وكيانه، وما أسفر عن صمود الدولة الإيرانية، الى جانب الصمود السوري اللبناني الفلسطيني اليمني، من تحوّل في تقديرات كلّ من الصين وروسيا للوضع الدولي، وصولاً الى إقدام الصين، على توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل مع إيران طويلة الأمد، وما لهذه الاتفاقية من تأثيرات مستقبلية على الدور الإيراني في المنطقة والعالم.
4 ـ المكاسب الاستراتيجية، ليس للصين وروسيا فقط، من خلال توقيع هذه الاتفاقية، وانما لإيران ومحور المقاومة بكامله، كتحالف إقليمي يُمسك بالمبادرة الاستراتيجية بشكل كامل وقويّ. فها هي إيران تتمتع بمظلةٍ نوويةٍ صينيةٍ، إضافة إلى كسر الحصار الأميركي عليها، وهو الأمر الذي أكد عليه وزير الخارجية الصينية، خلال توقيع الاتفاقية، عندما قال إن الصين ستدافع عن مصالحها في طهران ايضاً. ومن الجدير بالذكر أن الدفاع يشمل استخدام كافة وسائل الدفاع المتاحة، وهي ليست بقليلة لدى الصين.
وهذا يعني أن الجمهورية الإسلامية في إيران بالإضافة الى قدراتها الداخلية وإرادتها الثابتة في الدفاع عن نفسها، فإنها إضافة الى ذلك لم تعد تخشى اي تهديد استراتيجي، من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لا سيما أنّ التنسيق العسكري والاقتصادي، بين الصين وروسيا وإيران، سيزداد عمقاً يوماً بعد يوم، وإن بشكل غير معلن تماماً. كما انّ الضلع الثالث في التحالف الشرقي أيّ روسيا فإنها تعزز دفاعاتها، في وجه التمدّد والاستفزاز المتواصل لها، من قبل قوات الناتو، في بحر البلطيق وشرق أوروبا وكذلك في البحر الأسود، بينما تقوم الصين بالتصدّي للعدوانية الأميركية الاوروبية في بحار الصين، وفي جنوب المحيط الهادئ بالتعاون مع روسيا. بينما تقوم إيران بتعزيز قدراتها العسكرية القادرة على لجم العدوانية الأميركية، في بحر العرب وخليج عمان وشمال المحيط الهندي، خاصةً بعد تنفيذ البحرية الإيرانية مناورات بحرية، لمرتين متتاليتين، بالتعاون مع سلاح البحريّة الروسيّ والصينيّ في بحر العرب وشمال المحيط الهندي، خلال السنتين الماضيتين.
5 ـ ولا بدّ، في هذا السياق، من التأكيد على أن المكاسب المتبادلة، من فشل السياسة الأميركية وتوقيع الاتفاقية الصينية الإيرانية، لا يقتصر على منطقة غرب آسيا فقط. إذ إن توقيع هذه الاتفاقية يعني أن أجنحة طائر الفينيق الإيراني قد أصبحت تمتدّ من الصين شرقاً الى فنزويلا غرباً، ما يعتبر امراً مكملاً ومعززاً للوجود الاقتصادي الروسي الصيني، في فنزويلا وغيرها من دول أميركا اللاتينية.
الأمر الذي يُعتبر، بلا أدنى شك، نسفاً كاملاً او الغاءً كاملاً، لما يعرف بنظرية مونرو Monroe Doctrine، نسبة الى اسم الرئيس الأميركي آنذاك، جيمس مونرو، والتي أعلن عنها بتاريخ 2/12/1823، واعتبرت النصف الغربي من الكرة الأرضية منطقة نفوذ أميركي لا يجوز للقوى الاوروبية (أو غيرها طبعاً) التدخل في شؤونها. اي انها كانت قد أعلنتها منطقة محميات للولايات المتحدة الأميركية.
ايّ انّ هذا الواقع السياسي الجديد قد كسر وضعاً جيوسياسياً هاماً، مضى على وجوده قرابة قرنين من الزمن، 1823 – 2021 ، الأمر الذي يعتبر خطوةً هامة على طريق تغيير موازين القوى في النصف الغربي من العالم، تعزيزاً للأمن والسلام في العالم، خاصةً لما للمحيط الهادئ من أهمية استراتيجية في موازين القوى الدولية. ولا يحتاج الأمر، في هذا الصدد، سوى أن يتذكر المرء الهجوم البحريّ/ الجويّ اليابانيّ، على قواعد البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربور الأميركي، بتاريخ 7/12/1941. وهو الهجوم الذي دفع بالولايات المتحدة الى دخول الحرب العالمية الثانية، ضد اليابان بدايةً، وعلى بقية جبهات القتال في آسيا تابعاً.
إذن فلا أكاذيب نتن ياهو ومسرحيّاته جلبت عيد فصحٍ يهوديّ سعيداً، لمستوطني الكيان، ولا سياسات ترامب، ومَن سبقه ومَن لحقه من الرؤساء الأميركيين، استطاع أن يقدم إيران، خاضعة ذليلة موقعةً على اتفاق اذعان نووي جديد، للولايات المتحدة الأميركية وقاعدتها العسكرية المتقدمة في فلسطين المحتلة، بمناسبة عيد الفصح المسيحيّ المجيد.
والمقبل من تحوّلات التحالف الاوروآسيوي الجديد لا يزال في أوله والقادم يبشر بعالم أكثر إشراقاً وأكثر تمكيناً لقوى الاستقلال والتحرر والمقاومة.
أخيراً وليس آخراً، فعندما يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني: سنبقى في الساحة ونمضي قدماً من أجل صنع حضارة عظيمة لإيران ولا يهمنا الحظر ولا نحتاج الاتفاق النووي، فإنّ ذلك يمكن فهمه بأنّ «صلح الحديبية النووي» طار…!
بعدنا طيّبين قولوا الله…