ذبحة قلبية ومكرمة رئاسية مشكورة
} الأمين سمير رفعت
منتصف ثمانينيات القرن الماضي أتيت من دمشق لحضور اجتماع قيادي حزبي في بيروت، وكنت عضواً في المجلس الأعلى، وكنا في السيارة حضرة رئيس الحزب آنذاك الأمين عصام المحايري وزوجتي، الاجتماع كان يوماً واحداّ سنعود بعده الى دمشق.
وخلال الاجتماع أحسست بضيق في صدري منعني من الحركة والحديث والتنفس، ولما استعدت قدرتي قليلاً توجّهت نحو الباب وكان يقف عنده الرفيق «آنذاك» شارل أيوب ناشر ورئيس تحرير جريدة «الديار»، فتنبّه إلى وضعي غير الطبيعي وخرج معي إلى الصالون الخارجي، قلت له: في الاجتماع الرفيق الدكتور الصديق علي نعمه أحضره أرجوك وبالفعل بعد ثوان خرج الدكتور نعمه ليشخص حالتي بأنها أزمة قلبية حادة، وكان في الاجتماع الأمين مصطفى عبد الساتر فطلبت من الدكتور نعمه أن يحضر منه حبة لهذه الأزمات خاصة أنه مريض قلب، وبالفعل ساعدتني حبة الدواء تلك كثيراً، ثم قام شارل أيوب والدكتور نعمة بمرافقتي إلى مستشفى الجامعة الأميركية وأحضروا زوجتي من البيت في بيروت، وفي غرفة الطوارئ قاموا بإجراء تخطيط للقلب تبيّن نتيجته أنها ذبحة قلبية فاستدعي الطبيب الرفيق سامي قائد بيه الذي أوصى كطبيب قلب بإجراء عملية القسطرة، وتمّت العملية في اليوم الثاني ليكتشف الطبيب أنّ خللاً في كهرباء القلب هو الذي أدّى إلى تلك الذبحة وكانت نصيحة الطبيب قائد بيه أنّ أيّ توتر نفسي قد يؤدّي مجدّداً إلى تلك الأزمة وبقيت في المشفى عدة أيام…
ولحظة دخولي إلى الطوارئ راح شارل أيوب إلى مكتب المحاسبة وطلب إرسال حساب المريض الأمين سمير رفعت إلى إدارة جريدة «الديار» طوال فترة وجوده في المشفى ولكن وبعد أقلّ من ساعة وحين انتهى الاجتماع الحزبي أتت قيادة الحزب بكاملها إلى المشفى لتطمئنّ عليّ، وكان الأمين الحبيب نصري خوري عميداً للعمل فذهب بدوره بعد أن أطمأن على وضعي الصحي إلى المحاسبة في المشفى ليضع وجودي على حساب عمدة العمل في الحزب، ورفض أن يقوم شارل أيوب مشكوراً بذلك، لأني كنت في اجتماع حزبي وبالفعل قامت العمدة بتسديد كامل المصاريف. وكانت غرفتي في المشفى تعجّ بالرفقاء الذين توافدوا للأطمئنان على صحتي وكنت أرى أمام باب الغرفة شخصاً بلباس الحراسة يطلّ بين الفينة والأخرى ثم يذهب إلى أن دخل مرة قائلاً للجميع: باسم سورية وسعاده اختتم أعمال هذا الاجتماع، وإذا به رفيق من حرس المشفى أتى مرات لزيارتي ولم يتسنّ له الدخول كما قال.
وحين عدت إلى دمشق بعد حوالي خمسة عشر يوماً أتاني اتصال من القصر الجمهوري وتحدث مدير مكتب الرئيس حافظ الأسد الأستاذ محمد ديب دعبول – أبو سليم – لينقل لي قلق الرئيس الأسد عليّ بسبب غيابي عن شاشة التلفزيون لأكثر من أسبوعين وحين أبلغته السبب اتصل بعد دقائق مرة ثانية لينقل لي حرص السيد الرئيس على صحتي وليبلغني رغبة الرئاسة بإرسالي مع مرافق مدة شهر على حساب نفقة القصر الجمهوري إلى أيّ بلد أختاره للاستشفاء في العالم، شكرته على هذه المكرمة وأبلغته ىأنّ ما قام به أطباء بيروت كان كافياً ولا أحتاج إلى مزيد، استغرب أبو سليم عدم رغبتي بأخذ إجازة شهر على حساب القصر ثم قال لي إنهم يريدون تسديد فاتورة المشفى في بيروت فشكرتهم أيضاً وقلت لهم إنّ الحزب هو الذي سدّد كلّ شيء لأني كنت في اجتماع حزبي، وأبلغت بعد ذلك من بعض الأصدقاء المسؤولين في الشام أنّ الرئيس الأسد روى هذه الحادثة لأكثر من مسؤول منوّهاً بمناقبيتي القومية الاجتماعية بأني اعتذرت عن عدم قبول هذه المكرمة الرئاسية.
وعلى جبهة التلفزيون كان الصديق الشاعر علي عبد الكريم مدير التلفزيون متلهّفاً لعودتي إلى الشاشة الصغيرة وهو الذي انتقل بعد ذلك إلى السلك الدبلوماسي وكان سفيراً للشام في الإمارات ثم سفيراً في لبنان الامتداد الطبيعي للكيانين فتخطيا بذلك تلك الواو الكافرة بين سورية ولبنا، فكان بشاعريته ورصانته سفيراً للبنان في الشام وللشام في لبنان. رغم أني أرفض فكرة أن يكون هناك سفير بيني وبيني في الوطن الواحد.
علّمنا سعاده أن نرى الحياة حرية وعزاً ولا نراها غير ذلك قط، وقد جزمنا في أن نأبى الحياة إلا حرية وعزاً.