لماذا الاستعجال بتأليف الحكومة ما دام الحكام بخير وحصصهم محفوظة وأموالهم في مأمن؟
} علي بدر الدين
نجحت السلطة السياسية والمالية الحاكمة، في خداع اللبنانيين وتدجينهم وليّ أذرعتهم، واستدراجهم إلى ملاعبها وساحاتها حيث تتقن فيها اللعب بخفة، والرقص على الحبال وممارسة الشعوذة والسحر والنوم المغناطيسي، ولعبة الكر والفر و»الغميضة» البارعة فيهما جيداً، وهي تختبئ خلف مصالحها ومغانمها وطوائفها ومذاهبها وسياساتها الالتوائية الإلهائية، ثم تظهر فجأة إلى شعبها المسكين، وتلوّح له بالآمال الأوهام وبشائر الخير والإصلاح والإنقاذ، والخروج من كلّ المآزق والأزمات والمشكلات، بعد طول صبر وأناة ومعاناة، ويتسابق أفرقاء السلطة على ركوب قصب السبق، و»تطيير الفيلة» ونثر الأوهام والنفاق في كلّ اتجاه ليحظوا بتصفيق الجمهور، الذي لم يعد يملك سوى هذه الهواية المحبّبة اليه، بعد أن رضي بأن تسلبه السلطة الحاكمة على مدى عقود حقوقه الوطنية والإنسانية والمعيشية، والاقتصادية والمالية وتركه لقدره، وفريسة سهلة، للفقر والجوع والمرض، لا حول له ولا قوة.
نعم، فازت السلطة الحاكمة في مواجهة الشعب وأسقطته أرضا بالنقاط وبالضربة القاضية و»زلطته» بعد أن «شلحته»، كلّ مقومات الحياة والعيش اللائق به كإنسان، حتى فقد حيويته، ونسي انّ له حقوقاً يجب استردادها ممّن سلبها منه بالقوة والسلطة والنفوذ بعد ان استسلم للفاسد والسارق والمتسلط، وشغل نفسه في البحث عن ربطة خبز، او كيلو غرام من السكر والأرز، أو عن علبة حليب او دواء، والتخلي عن رفع الصوت والقبضات في مواجهة من خرّب البلد، وأفقر شعبه وجوّعه وهزمه، وقد فرغت الساحات من ناسها، وأـصبحت موحشة، لا حياة فيها، وزاد من وحشتها، وباء كورونا، التي تتزايد ضحاياه يومياً.
المهمّ أنّ هذه السلطة، بعد صراع مرير مع الشعب، الذي تلقى منها ضربات متتالية من حكامه المتعاقبين، أدت إلى إفقاده توازنه ونجحت بتحييده، ولم يعد يشكل عائقاً أو عقبة أمام أطماعها وطموحاتها السلطوية لا في الحاضر، ولا في المستقبل. هذه السلطة تفرّغت لمواجهة بعضها حيث احتدمت صراعاتها على كلّ الجبهات السياسية الداخلية والخارجية، من أجل الفوز المؤزّر على وطن ينهار، وشعب يفقر ويجوع ويموت، على أن لا ينكسر أحد او يتنازل أو يخسر في حرب» البسوس» السلطوية، وهو حضر نفسه وجماعاته وأتباعه، لهذه المنازلة الكبرى، «أم المعارك» التي يتوقف على نتائجها المستقبل السياسي والطائفي كله، وربما تكون المعركة الأخيرة التي سترسم خارطة الآتي من الزمن، خاصة أنّ البلد على موعد مع استحقاقات انتخابية رئاسية ونيابية مفصلية تحتاج إلى التحضير و»سن» السيوف، وإلى تعبئة البيئات الحاضنة ضمانا لتحقيق السبق والربح، وليذهب الوطن والدولة والشعب والمؤسسات إلى جحيم جهنّم وبئس المصير.
يبدو أنّ الرهان قائم على من ينجح في انتزاع حصة أكبر، او تسجيل نقاط أكثر، أو ترجيح شروطه في تأليف الحكومة، التي باتت في نظر المتصارعين من أفرقاء السلطة، كالخيل التي «في نواصيها الخير» والأمل كله٠
هذا الصراع المفصلي السلطوي حول الحكومة، يحتاج إلى وجود عناصر قوة، لا بدّ من وجودها أو الحصول عليها حتى ولو طار البلد ومات الشعب، الذي يعيش فصول مأساة التأليف، وهو مُصرّ على الاحتفاظ بـ «ورقة التوت» وعلى تصديق الوعود والأوهام وسياسة التكاذب، وتجرّع التخدير، والجمود المصطنع، وخطابات المغازلة بين اللاعبين الكبار، حتى الإتهامات وتحميل المسؤوليات والإساءات المتبادلة، هي من ضمن أدوات الاحتيال على الشعب الذي بات في غربة عما يحدث، لأن جهده ووقته وما تبقى له من «حيل» موظفة في البحث عن المواد المدعومة، وعبثاً يحاول.
«التسوية» السلطوية والطائفية والمذهبية، آتية بلا ريب، وموعدها رهن بتفاهم القوى السياسية المحلية على الحصص، وحجم الحكومة وتوزيع الحقائب، وفق تصنيفها المعتمد منذ اتفاق الطائف على قاعدة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» والكل بإنتظار تفاهم وتوافق دول إقليمية ودولية ونتائج لقاء فيينا، في حال كان لبنان على جدول الأعمال، أو انتظار تفاهمات إقليمية ودولية أخرى، وهذا يعني أنّ الانتظار سيطول، وأوضاع لبنان وشعبه ستتدهور إلى حد التهاوي والسقوط المدوي.
هذا كله ليس مهماً، ما دامت الطبقة السياسية الحاكمة بخير، وحصصها محفوظة ومصالحها ميسّرة وثرواتها المكدّسة في مأمن.