الطرق الفاعلة في علاج طفل التوحد
} سارة طالب السهيل
في الثاني من شهر نيسان/ أبريل يحتفل العالم سنوياً باليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد، وهو جهد إنساني مشكور، يتطلب من جميع الشعوب التوعية به والعمل على إنقاذ ضحاياه وتطوير قدراتهم الإنسانية والعقلية والنفسية والاجتماعية، خاصة في ظلّ تزايد أعداد المصابين بالتوحد في العالم.
يُعرف هذا المرض بأنه اضطراب عصبي يبدأ مبكراً في مرحلة الطفولة، ويستمرّ طوال حياة الإنسان ويؤثر على مهارات التواصل والتعلم وكيفية التصرف والتفاعل مع الآخرين، وتتجلى مظاهره في عدم قدرة الطفل على الاستجابة والردّ على اسمه في السنة الأولى من عمره، وعدم الاهتمام باللعب مع الآخرين أو التحدث معهم، ورفض الاتصال. يتسم طفل التوحد بعدة خصائص منها: العجز عن بناء علاقات اجتماعية نتيجة اهتمامه بالأشياء أكثر من اهتمامه بالناس.
كذلك التأخر في اكتساب اللغة مقارنة بالأطفال العاديين، كما انهم يستخدمون اللغة المنطوقة بطريقة غير تواصلية بعد تطورها، ويتصفون أيضاً بتكرار الكلام غير الطبيعي من كلمات وجمل، ويعكسون الضمائر. أما لعبهم فيتمّ بطريقة نمطية تكرارية ويخفقون في اكتساب مهارات اللعب التخيّلي، وكذلك ينزعجون من التغيير في حياتهم اليومية.
والضرورة فإنّ العلم لا يقف عاجزاً عن إيجاد مخرج لطفل التوحد لكي يكتسب مهارات الحياة ويندمج ولو بشكل جزئي مع المجتمع، وانْ كانت العقاقير الطبية قد تقف عاجزة عن علاجهم، فالفنون والأدب وأيضاً مخلوقات الطبيعة قدّمت حلولاً عملية مقبولة في دعم طفل التوحد، بل والأهمّ من ذلك كله وعي الأسرة وحنانها ورفقها وصبرها على هذا الطفل وتعليمه برفق مكتسبات الحياة العلمية والعملية.
فالفن يلعب دوراً هاماً ومؤثراً في تنمية وإثراء وعلاج عملية الاتصال لدى الأطفال الذين يعانون من اضطرابات في النمو أو اضطرابات في مهارات الاتصال. حيث تتيح لغة الفن فرصة للأطفال المصابين بالتوحد، للتعبير عما بداخلهم والاتصال بالآخرين.
فالأنشطة الفنية تقدّم للأطفال التوحديين فرصة تنمية إدراكهم الحسّي من خلال تنمية إدراكهم البصري عن طريق الإحساس باللون والخط والمسافة والبعد والحجم والإدراك باللمس. لذلك يُعدّ الفن التشكيلي واحداً من الأساليب العلاجية المعترف بها عالمياً.
قد يستخدم طفل التوحد فن الرسم بألوانه وأدواته كلغة بديلة عن اللغة المنطوقة وكوسيلة للتواصل وللتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم وتخيّلاتهم، حيث يعود فن الرسم طفل التوحد على التفكير عن طريق اللعب بالألوان والتعبير بالرسم. وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة على دور العــلاج بالفــن في تنميــة الاتصــال لــدى الأطفــال التوحدييــن، حيث يطلق الفن الشعور التعبيري والانفعالي لدى الطفل عبر تطور التفاعل الإنساني بينه وبين العمل الفني والمعالجة.
كما يعمل على تنمية وعي الطفل بنفسه، وأنه قادر على إخراج عمل جميل، وأيضاً في بداية إحساس الطفل بنفسه هي بداية منظمة لإحساسه بالبيئة من حوله.
أما العلاج بالموسيقى فيعمل على تحسين مهارات التواصل الاجتماعي لدى الأطفال المصابين بالتوحد وحياتهم الأسرية ويحسن من شبكات الدماغ الرئيسية. وأفادت الدراسات الطبية، انّ الطفل المصاب بالتوحد عندما يتمكن من العزف على البيانو أو يغني أغنية فإنّ هذا يفيد وظائف المخ بصورة كبيرة. وقال الباحثون إنّ العلاج بالموسيقى زاد من التواصل في شبكات الدماغ الرئيسية. وأيضاً تحسّنت مهارات التواصل الاجتماعي، ونوعية الحياة لأسرة المريض. وكشفت فحوص الدماغ أنّ الأطفال في المجموعة الموسيقية زادوا من الاتصال بين المناطق السمعية والحركية في الدماغ.
وتعدّ القصص الاجتماعية، طريقة لتعليم المهارات الاجتماعية لأطفال التوحد، من خلال تقديم معلومات دقيقة عن المواقف الاجتماعية التي يجدها صعبة ومشتتة، وبما يفيده في حياته اليومية.
يمكن أيضاً لأطفال التوحد معايشة الحيوانات الأليفة من قطة أو كلب او عصافير الزينة في البيت، أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة، أنّ الحيوانات الأليفة أثبتت فعاليتها ونجاحها فى علاج اضطرابات السلوك لدى طفل التوحد شرط ان يكون اختيار نوع حيوان مناسب لحالة الطفل.
ففي برنامج علاجى بمساعدة الكلاب في مركز إيسكولا إيريس فى برشلونة بإسبانيا، تمّ استخدام الكلاب الأليفة وتطبيق التجربة بين الطب النفسي وأخصائي التربية والطب البيطري، وحققت نجاحاً كبيراً، واستطاعت الكلاب تخليص الأطفال مصابي التوحد من حالة الانطواء بسبب مرضهم، وأثبتت انّ مساعدة الكلب للطفل المريض كانت أدق من الأجهزة.
في تجربة عملية عاشتها احدى صديقاتي مع ابنها الذي كان يعاني من مرض التوحد دون ان تدرك انه مريض او سبب فرط حركته وعدم استجاباته وعدوانيته في المنزل والحضانة الى درجة انه كان يحطم اي شيء معه وغير قادر علي التعلم، حيث جلبت له أكبر المدرّسين دون جدوى، لكنها كانت كثير ما تقابل عدوانيته بعنف من جانبها مما زاد الطين بلة، وعندما يئست من حالته أدركت انه لا مفرّ أمامها سوى ان تتعامل مع ابنها على انه حالة مرضية تتطلب الحنان والرفق والصبر الجميل، وسرعان ما غيّرت من طريقة تعاملها معه، وضعت لنفسها خطة عمل وهي ان تعمل على تعليمه بنفسها دون مساعدة احد وبنفس طويل وارتضت بنسب نجاح عشرة بالمئة فقط، وبالفعل نفذت خطتها التعليمية، مع جلب عصافير زينة في البيت كانت تطلب من صغيرها أن يضع بنفسه الطعام والماء لهم. كما أخذت تصطحبه معها في زيارات لمساجد آل البيت ليستمع الى الابتهالات الدينية وبموسيقاها العذبة والمدائح النبوية التي تلقى على إيقاعات الدفوف الموسيقية. وفي طريقها أخذت تعلّمه عملياً أسماء الكائنات والطبيعة من سماء وأرض وشجر وبحر وحيوانات وأزهار ومساجد وكنائس وغيرها من حلولها وباللغات العربية والأجنبية، وفي غضون عام من هذه التجربة تقلصت عدوانية الطفل بنسبة كبيرة جداً وأخذ يحصل مع أمه الدروس، صحيح في وقت أطول لكنه كان يستوعبها ولم يمض عامان أصبحت قدرة الطفل على التعلم والكلام مقاربة للطفل العادي. وعندما شعرت الأمّ بأنّ الطفل يحتاج الى مزيد من الثقة بالنفس ألحقته بتدريبات الكاراتيه.
هذا الطفل اليوم تجاوز بحكمة أمّ وصبرها وفهمها ووعيها كثيراً من أزمات التوحد، وإنْ كانت قدراته على إقامة علاقات مع الناس أقلّ كثيراً من غيره لكنه لا ينزعج من الناس وهذا تقدّم كبير جداً، ويكفي انه يتلقى تعليماً عادياً وسط أقرانه الأصحّاء، فالتجربة أصدق من الكتب.