ما بين رفعٍ تدريجي» للعقوبات «ورفعٍ كامل» المأمول خارطة طريق
} السيد سامي خضرا
حمل الوفد الإيراني إلى فيينا برئاسة العزيز المُتمرِّس علي أكبر صالحي تاريخاً من الصمود والممانعة والثقة، وفي المقابل يحمل الوفد الأميركي مع المبعوث الخاص روبرت مالي الكثير من الإرث الثقيل لإرادَتَيْن في إدارتين فيهما من التخبّط والتردّد ما يُرْبِكُهما من دون اتفاقية استراتيجية تاريخية.. فكيف بها وهي مع الصين؟!
فقد صرح المبعوث الخاص «مالي» عشية لقاء فيينا للجنة المشتركة للاتفاق النووي بأنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع إيران قبل شهر يونيو/ حزيران المقبل، ثم استدرك في مقابلة مع شبكة «بي بي إس» (pbs)إلى تضاؤل إمكانية تحقق ذلك في تخبّط واضح بين المسؤولين الأميركيين.
بينما كان مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي أكثر وضوحاً عندما قال إنّ بلاده لن تتفاوض مع الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بل ستنحصر المفاوضات في مجموعة 1+4، وستكون تقنية وتركّز على رفع العقوبات، وإنّ مطالب بلاده لإحياء الاتفاق النووي واضحة، وهي رفع العقوبات والتزام واشنطن بالاتفاق.
من هنا كان حبسُ الأنفاس هو السِّمة السائدة خلال هذه الساعات الأخيرة بانتظار الخطوات والمعلومات والتفاصيل التي يكثر التَّنبُّؤ بها هذه الأيام لأنّ أكثر الأمور التي يطمح المحللون والسياسيون والإعلاميون لمعرفتها بقيت مُبهمة أو غير معلنة.
الشيء الأكيد حتى كتابة هذه السطور أنّ المواقف الثابتة للجمهورية الإسلامية آَتَتْ أُكُلَها ولم تذهب هباءً، بينما الإدارة الأميركية تُحاول التقاط مصالحها بعد أن ورَّط ترامب بلاده بإرثٍ غير محمود وزادَ الأثقال أثقالاً، ثم جاءت الإتفاقية الإيرانية الصينية لتُسرِّع في عودة الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين أكثر فأكثر للعودة إلى الإتفاق النووي مُتسلّحين بـ «سياسة التذاكي» في أن تكون العودة بشروطٍ جديدة إضافية أو إخضاع العودة لسياسة الخطوة في مقابل الخطوة.
وهكذا وبخلاف رغبتهم فإنَّ الإتفاقية بين إيران والصين سَرَّعت ضرورة العودة بأقلّ الأضرار الأكيدة مع التسليم بأن المفاوضات سوف تكون «شاقة وصعبة».
وما بين» الرفع التدريجي» للعقوبات «والرفع الكامل» فإنَّ غاية المأمول هو خارطة طريق.
وهذا ما سوف ينجلي في الأسابيع المقبلة.
فمما لا شك فيه أنّ الأميركيين والأوروبيين استشعروا خطورة الخطوات التي اتخذتها الجمهورية الإسلامية تباعاً والتي كان آخرها الإتفاقية مع الصين فكانت بمثابة الإجهاز على سياسة العقوبات الأميركية مما جعل لها هذه التداعيات على ملف المفاوضات وعزَّز ذلك موقع إيران في مواجهة الآخرين.
ومن الضروري الإلتفات إلى أنّ التعنُّت الأميركي جعل من الأوروبيين الخاسر الأكبر حيثُ كانوا يطمحون إلى إستثماراتٍ كبيرة في السوق الإيرانية وهذا ما رأيناه بأُمِّ العين عشية الإتفاق النووي قبل ست سنين عندما تقاطرت الوفود الألمانية والفرنسية والإيطالية إلى طهران بحيث إزدحمت مكاتب المسؤولين بتلك الوفود.
وبات من المؤكد أنّ الإتفاقية مع الصين سوف تتكرّر مع جهاتٍ أخرى ربما تكون روسيا في مقدمتها وكذلك الهند ليست بعيدة عنها حيثُ المنافع المشتركة الإقتصادية والسياسية وعلى أصعدة مختلفة مما قد يُحوِّل ذلك إلى تعاون إقليمي له ثقله الإقتصادي والسياسي التعددي ويؤدّي تالياً إلى تقليص التحكم الأميركي في منطقة غرب آسيا على الأقلّ.
وفي ذلك مصلحة لكلّ من إيران والصين وروسيا.
(وأنا أكتب هذه الكلمات وصلتْ معلومات لم تتأكد بعد من جهة رسمية حول نية وزير خارجية روسيا لافروف زيارة طهران لوضع اللمسات النهائية حول اتفاقية استراتيجية لا تقلّ مدّتها عن الإتفاق مع الصين وتزيد ملياراتها لتصل إلى خمسمائة مليار).
على كلّ حال الأيام المقبلة سوف تُوضِّح الصورة أكثر لكن مما لا شك فيه أنّ سياسة القوة والصمود للجمهورية الإسلامية في وجه العتاة الدوليين كانت مُثمرة لصالح شعوب المنطقة.