التنسيق السوريّ ـ اللبنانيّ ـ المصريّ من ضرورات التنسيق العربيّ التاريخيّ
د. وفيق إبراهيم
سورية تمنح لبنان بقيمة ملايين الدولارات من مادة الأوكسجين ومصر توفد مسؤوليها لمعالجة أزمات لبنان المتعددة سياسياً.
هذا منحى طبيعي جداً ينسجم مع العلاقات العميقة في بلاد الشام مشكلاً نمطاً مطلوباً وقديماً في العلاقة مع مصر المحروسة.
كان هذا النمط من العلاقات معقوداً بقرار غربي أراد منع اتصال العرب بالعرب، وكلف الخليج ادارة لعبة التباعد والاختلاف حتى أصبحت اصغر البلدان العربية تبدو وكأنها قارة كاملة، فهل تشكل الهوية السورية والاندفاعة المصرية الجديدة، نمطاً دائماً تميز العلاقات بين سورية والعرب؟
يبدو هذا ضرورياً جداً، لكن القوى التي تحول دونه لا تزال موجودة وتؤدي الأدوار التقسيميّة نفسها.
فهل هناك مستجدّات تدفع نحو مزيد من الالتقاء بين سورية ومجالها الطبيعي؟
الملاحظ أن هناك صعوداً ملحوظاً في الدور الإيراني مترافق مع اتجاه سوري نحو مزيد من قوة الدولة. هذا مقابل تراجع نسبي في الدور الاسرائيلي وتوزع الاهتمامات الاميركية بما يشمل العالم بأسره وسط منافسة روسية صينية حادة.
فها هو وزير خارجية مصر حسام زكي يصل على عجلة من أمره الى لبنان مكلفاً من جامعة الدول العربية حاملاً لمزيد من حلولها، ولم ينس رأي جامعة الدول العربية المصرّة بدورها على حلول لأزمة لبنان في إطارين لبناني صرف ولبناني سوري، بحسب ما تريده جامعة الدول.
واذا كانت أميركا وفرنسا تحاولان فرض حل للبنان يتلاءم مع مصالحها فيه فإن زكي يحمل حلولاً تمثل وجهة نظر جامعة الدول العربية في إخراج لبنان من المأزق الساقط فيه.
هنا لا بد من لفت النظر إلى ان حسام زكي جال على كل العصبيات اللبنانية محاولاً العثور على حلول تتناسب مع مصالحها ولا تعزل أحداً منها، ويبدو انه لن يعود الى مصر الا موفقاً في أداء واجبه.
هذه المحاولة المصرية الهامة جداً بإمكانها الحلول مكان المبادرتين الاميركية والفرنسية اللتين تريدان فرض حلول عاجلة ليس فيها كبير إثر لمصالح الفئات اللبنانية، بقدر ما تعكس مصالح الغرب المتعاطف مع «اسرائيل» وغير الآبه بمصالح السوريين واللبنانيين.
فهل ينجح هذا الغرب في مهامه؟
لا شك في أنه يعمل في البداية على تعطيل الدور المصري الذي يقدم نفسه بديلاً منه، وقد ينجح لما له من علاقات مع عصبيات لبنانية تاريخية مرتبطة به تاريخياً.
وإفشال الدور المصري لا يعني الا الحاق لبنان بتركيبته التي يريده الغرب بالمشاريع الاميركية الكاملة مع لكنة فرنسية وتغطية مالية من الخليج العامل ضمن المصالح الأميركية بشكل كامل.
المطلوب الآن معرفة مدى الصلابة التي تجعل من زكي وسيطاً قوياً يمثل جامعة الدول العربية وليس الغربيين.
فهنا يكمن التخوّف من أن يجد زكي نفسه مستمعاً لآراء من جامعة الدول العربية تأمره بأن لا يستمع الا اليها. وهذا ممكن جداً. فلا يتبقى الا سورية القادرة على التمرّد على المصالح الغربية واهتمامات جامعة الدول العربية في آن معاً.
وهنا أيضاً تكمن المشكلة، لأن جامعة الدول العربية ومعها المصالح الغربية بوسعهم التخلي عن الحلول السورية والتمسك بالقرار الغربي بمفرده.
ولن تستطيع سورية الخروج من عزلتها الا بإسناد لبناني هو بدوره غير موجود الا جزئياً، فإذا وافق الرئيس نبيه بري على حل سوري فلن يقبل به جعجع أو الجميل وجنبلاط ايضاً.
وإذا اقتنع حزب الله بوجهة سورية فإن هذا مجلبة لرفض لبناني كبير له ولهم.
وقد لا يكون حزب الله من الموافقين على الدور السوري إلا في اطار انسجامه بوجهة النظر الإيرانية وهذا كافٍ بمفرده لتفجيرهما لبنانياً.
فكيف يكون الحل اذاً؟ كما جرت العادة بمنطق التسويات الفرنسية – الأميركية التي تنتج عادة صيغة ضعيفة، تضع نظاماً سياسياً لكنها لا تنتج دولة متماسكة قوية.
نحن اذاً ذاهبون الى لبنان الجديد الذي لا يستطيع بناء دولة من قصب لا تنتج للبنان ما يحتاجه من غذاء ومال بل مجرد بلد يعينه الغرب عبر أموال الخليج ويحايد في قضية فلسطين على حساب العرب والفلسطينيين مسلماً سياساته الداخلية والخارجية للغرب الفرنسي والأميركي على حساب اللبنانيين الضعفاء الذين يقبلون بما ينسج لهم من دون أي اعتراض او سؤال.