من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير
} علي بدر الدين
ورد في كتاب «الناس أجناس» لرائد الأدب الشعبي سلام الراسي، أنه علّق على الوضع السياسي بعد اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية التي انطلقت شرارتها سنة 1975، وكان الاتجاه يومها لتأليف حكومة «إنقاذ وطني». وروى مقاربة تحاكي ما يحصل وكتب: «يُحكى أنّ السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني، طلب أن يؤتى إليه بمهندس موثوق بعلمه وعمله وأمانته، فأحضروا له مهندساً أرمنياً، فعهد إليه السلطان بهدم إحدى السرايات القديمة وبناء سراي جديدة مكانها.
بعد الانتهاء من بناء السراي، استدعى السلطان المهندس، وقال له: عندما كنت تهدم السرايا القديمة، كنت تستخدم عمالاً من فئة أخرى وبأسماء أخرى، فلماذا استبدلت عند البناء، عمالاً بعمال آخرين؟ أجابه المهندس على الفور، “ناس للتدمير وناس للتعمير”.
قيل، إنّ السلطان العثماني أعجب بقوله وحكمته، وعيّنه وزيراً. ونحن نقول (القول للراسي) لحكومة الإنقاذ الوطني لا تسويات ولا أنصاف حلول بعد الآن، ولا يجوز أن يتولى الذين دمّروا لبنان إعادة تعميره، لأنّ من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير”.
ما أشبه المرحلة التي يمرّ بها لبنان حالياً (من دون حرب أهلية)، بتلك المرحلة لجهة ولادة الحكومة العصية على الداخل والخارج، حيث تزدحم الأجواء اللبنانية بحركة الوفود العرب والأجانب الزائرة لبنان للتوسط مع القوى السياسية والطائفية والمذهبية المعنية مباشرة بعملية التأليف من دون طائل، وجميعها يحمل أفكاراً وآراء ومبادرات واقتراحات، علها تحظى بالقبول والرضى من المعنيين، لكن عبثاً يحاولون، لأنّ المنظومة السياسية الحاكمة أو معظمها على الأقلّ، منغمسة في “أجندات” ومصالح وارتهانات وحصص، لا يمكن التخلي عنها من أجل تأليف حكومة، لا تقدّم ولا تؤخّر، ومن دون فعالية يمكن التعويل عليها، خاصة أنها، لا تزال على قناعة، أنها لا تزال الأقوى، وصاحبة القرار والنفوذ والسلطة، وانها تملك أوراقاً كثيرة وفاعلة، رافعة شعار “عليّ وعلى أعدائي”، ويبدو أنّ الشعب هو عدوها الأول.
ويبدو أنّ الوقت ما زال يعمل لصالحها، كما المبادرات العربية والأوروبية، التي ما زالت تراهن عليها تفاوضها، وتحاول إقناعها مرة بالترغيب ومرة بالترهيب، وتطلق باتجاهها مواقف خلّبية ومطاطية، تحسن بتلقفها بحكم التجربة الطويلة لها في الحكم ومعرفة كيف تمتصّ الضربات، ومن “أين تؤكل الكتف”.
هذه المنظومة السياسية الحاكمة، التي لم يرتو جوفها من دماء اللبنانيين ودموعهم، ولم تشبع نهمها من أرزاقهم وسلب حقوقهم، والتي سطت على أموال الدولة والشعب والمؤسسات، المسؤولة المباشرة عن الانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي وتعميم الفساد والتحاصص والفقر والجوع والذلّ، وتحويل البلد “بأمه وأبيه” إلى صحراء جرداء، لا ماء فيها ولا كهرباء ولا محروقات ولا دواء ولا غذاء، فقط تنعق فيها الغربان فوق أكوام النفايات على البر وفي البحر، وفي الجبال المتآكلة والوديان، وليس فيها سوى الشبيحة والمافيات والحرامية.
من حق هذا الشعب أن يسألها، هل يمكن بهذا السلوك السلطوي أن تعيدوا قيامة وطن وبناء دولة وتوحيد شعب وتفعيل مؤسسات؟ هل من دمّر البلد وجوّع شعبه، قادر على إعادة بنائه والنهوض بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية؟ هل تتعهّدون إذا ما نجحتم في تأليف حكومة على شاكلتكم بإعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى خزينة الدولة وأصحابها؟
نحن الشعب اللبناني، إذا كان الخيار لنا والقرار، لا نريد ولا نرغب أن تؤلف الحكومة من الذي دمّر وجوّع وتحاصص ونهب.
وصدق سلام الراسي الذي قال منذ أكثر من ثلاثة عقود، “من يصلح للتدمير لا يصلح للتعمير” و “اللبيب من الإشارة يفهم”.