هل تنجح المفاوضات بين الممسكين بعصبيات لبنان؟
} د. وفيق إبراهيم
نحو سبع الى ثماني عصبيّات دوليّة تبذل جهودها لصناعة مؤسسة سياسيّة لبنانية، يقودها الموارنة وذلك بحكم إمساكهم التاريخيّ بالدولة من طريق الهيمنة الفرنسيّة التاريخيّة.
لكن هذه الهيمنة ما عادت قادرة على التفرّد إلا بالتعاون مع السنة اللبنانيين الصاعدين مع عالم النفط والشيعة المتسلقين بخلفيات سورية وإيرانية.
حتى الآن لم تتوصل الهيمنة الفرنسية الى تأسيس ما تريده من لبنان التاريخي، كذلك فإن الأميركيين المهيمنين على العالم لم يتوصلوا الى هذا الأمر أيضاً.
فكان أن أفرز التحالف الفرنسي الاميركي وصفة تعطي دوراً لجامعة الدول العربية لعلها تتوصل بأسلوب التقريب الى ما لم تتمكن من تنفيذه الهيمنة الغربية.
فكان الأميركيون والفرنسيون يعتقدون أن التقريب هو أسلوب سيطرة للعالم العربي النفطي على حساب التراجع السوري الإيراني.
لبنان اذاً ضمن محاولات لبناء مؤسسته السياسية القائدة وفق مفهوم عربي يخضع بدوره للغرب السياسي.
فيتحقق للغرب ما يريده من إعادة إمساك كاملة للبنان بشكل يعادي سورية ويجافي ايران.
في هذا الإطار تتمحور محاولات سامح شكري الجامعة للسياسة المصرية من جهة وجامعة الدول العربية من جهة ثانية والغرب من جهة ثالثة وذلك في محاولة للتوفيق بين الرئيس سعد الحريري الممثل للنفط العربي المتحالف مع الغرب وبين الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل اللذين يمثلان الغرب مع تحالفات عارضة مع سورية وإيران.
لذلك يصبح السؤال متمحوراً حول إمكان نجاح محاولات اعادة بناء لبنان على الطريقة المارونية – السنية مع شيء من الاضافات الشيعية الطارئة حسب العلاقات بين سورية وايران من جهة والغرب من جهة أخرى.
وهل صحيح ان الفرنسيين والأميركيين ينقبون عن حل سياسي لأزمة لبنان؟
تتماشى مع الضرورات الغربية التي تعمل على إبعاد ثلاثة انواع من النفوذ الذي يحاول التسلل الى لبنان، الروسي الإيراني والسوري.
لذلك ينتقل السؤال فيصبح اذا كان قادراً على التعبير عن مصالح غربية متعاونة مع نفط عربي وعصبية مارونية – سنية؟
هذا يفترض اقصاء للنفوذين السوري والايراني.
بداية لا شك في ان هذا الاحتمال صعب لأن النفوذين السوري والايراني صعبان ويرتبطان بنيوياً بحركة انتصارات حققاها مؤخراً واصبحت راسخة في الحركة السياسية للبلدين.
والدليل أن الأميركيين يحاولون إيقاف التقدم السوري في شرق الفرات ومحاولات منعها من الالتقاء بقوات عراقية في البوكمال، كما أن حزب الله العاكس للنفوذ الإيراني أصبح قوة إقليمية قادرة على المجابهة والدعم وأداء دور سياسي كبير في لبنان والجوار.
أما الأكثر أهمية فيتعلق بسؤال عميق وهل الاميركيون والفرنسيون يريدون حلاً صحيحاً لأزمة لبنان، ام انهما يمارسان ادواراً تحريضية للاستفادة منها بإضعاف ايران وسورية والتشجيع على ازدياد النفوذ الاسرائيلي ومعه نفوذ الجامعة العربية مع قوة مصرية تستنهض القوة الخليجية.
وبذلك يحاول الأميركيون الإمساك بالمنطقة نهائياً ضمن خطة لإبعاد الايرانيين والروس والهرولة السورية.
يتبين بالاستنتاج أن الفوضى السياسية في لبنان طويلة الأمد برعاية اميركية فرنسية مقابل إصرار إيراني سوري على المحافظة على قوتيهما في لبنان، وهما قوتان إيجابيتان لا تسعيان لإثارة التشنج وتريدان صناعة تسويات توفر للبنان إمكانية النمو الصحيح ضمن رئاسة مارونية وحكومة سنية ورئاسة مجلس شيعية، يتآزرون ضمن فريق حاكم بدرس القضايا بعلمية وتوازن ومصلحة تصيب الناس وتوفر للبلد توازناً وإمكانية الوصول الى تسويات قوية تحافظ على الاستمرار السياسي الناجح.
لكن ما يؤسف له أن الفرنسيين والأميركيين لا يريدون حالياً الوصول الى هذا النوع من التسويات الإيجابية على قاعدة عدائهما لإيران وسورية، فكيف يمكن تجاوز هذه النقطة؟
بالاتفاق اللبناني الداخلي على اكبر مساحة ممكنة، فإذا كان سمير جعجع رافضاً لمثل هذه الحلول فإن من مصلحة القوى الأخرى القبول بها خصوصاً انها تحافظ على عصبية المستقبل الخليجية والمارونية الفرنسية والشيعية المتسربلة بإيران وسورية.
بيد أن المشكلة هي في الصراع الأميركي الإيراني والسوري الفرنسي، فإن ايجاد حلول لهما كفيل بتسوية تحافظ على لبنان قابل للاستقرار ويمثل نفوذاً دولياً وغربياً وإيرانياً يستطيع الاستمرار لأطول زمن ممكن قبل وصول لبنان الى عصبيات جديدة تستطيع الاستقرار.