ناصر قنديل
– انتهت اللجان التقنيّة في فيينا من القسم الأول من التحضيرات لمسودة العودة الأميركيّة عن العقوبات ومسودة العودة الإيرانية للالتزامات، وتستأنف اللجان مهامها الأسبوع المقبل. ووفقاً للمبعوث الروسي الى فيينا، فإن تقدماً كبيراً تم تحقيقه على طريق النجاح بالعودة الى الاتفاق النووي، فالسؤال الأول هو على أي قاعدة تتم هذه العودة؟ وهل هي تتم في منطقة وسط بين طهران وواشنطن، أم بتراجع إيراني طلباً للتفاهم، أم يتنازل أميركي واضح لحساب الشروط الإيرانية؟ ولرؤية الجواب نستعيد مواقف الطرفين من القضايا الرئيسيّة التي ظهرت حولها نتائج بائنة خلال الأيام الماضية، حيث أصرت واشنطن على ربط العودة للاتفاق بتوسيع نطاقه النووي ومداه الزمني من جهة، وبالتفاهم على البرنامج الصاروخي الإيراني والملفات الإقليميّة من جهة ثانية، كما قال وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن مراراً، وتحدّث الرئيس جو بايدن أكثر من مرة، وبالمقابل أصرّت إيران على اعتبار أن الأمر الوحيد المطروح للبحث هو سبل العودة إلى الاتفاق كما وقع عام 2015، وبالتوازي حاولت واشنطن أن يكون التفاوض مباشراً بين الفريقين، ثم ارتضت دعوة أوروبيّة لحضور اجتماع الـ 5+1 كإطار لهذا التفاوض مع إيران، ثم قالت لا مانع من أن يكون هذا الاجتماع إطاراً لتفاوض غير مباشر، أما الأمر الثالث الذي كان عنواناً لتجاذب علني بين العاصمتين فكان يتصل بتحديد مَن يبدأ الخطوة الأولى، كما قال المبعوث الأميركيّ الخاص بالملف النووي الإيراني روبرت مالي، حيث كانت واشنطن تقول إن على إيران العودة لالتزاماتها أولاً وتردّ طهران بأن على واشنطن رفع العقوبات أولاً.
– في فيينا صدرت مواقف من المبعوث الأميركيّ روبرت مالي الذي كان يمثل إدارة الرئيس جو بايدن في المفاوضات مع الجانب الأوروبيّ والجانب الروسي كوسيطين للتفاوض مع إيران، تقول رداً على المحور الأول إن واشنطن وافقت على العودة إلى الاتفاق النوويّ بصيغته الموقعة عام 2015، والتخلّي عن اشتراط البحث بتعديله كمضمون ومدة زمنية، وكذلك التخلّي عن إدماج الصواريخ البالستية الإيرانية والملفات الإقليمية، بملف التفاوض، بما يعني بوضوح لا لبس فيه القبول بالسقف الذي رسمته طهران وتمسكت به؛ أما في المحور الثاني فقد كان واضحاً ان إيران رفضت كل تفاوض مباشر أو غير مباشر، ورفضت بالتالي اعتبار واشنطن عضواً في صيغة الـ 5+1 التي صارت بعد الانسحاب الأميركي 4+1، واشتراط إلغاء العقوبات لاعتبار عودة واشنطن لعضوية الـ 5+1 قائمة، ورضخت واشنطن لقبول الشرط الإيراني فجلس المبعوث الأميركي في غرفته ينتظر نتائج المحادثات الجارية في قاعة التفاوض، بعدما أصرّ الوفد الإيراني على نزع العلم الأميركي من القاعة. أما في المحور الثالث فقد كان واضحاً ما تطلبه واشنطن مقابل ما تطلبه طهران، حيث كل منهما تدعو الأخرى للبدء بالخطوة الأولى، وقد صرّح الناطق بلسان الخارجية الأميركية نيد برايس بوضوح أن واشنطن ارتضت أن تبدأ هي بالخطوة الأولى برفع العقوبات، وتسعى لتجزئة هذه العودة وتحديد حجم الخطوة الأولى التي ستقوم بها لضمان القبول الإيراني، لأن واشنطن كما قال برايس تريد ضمان امتثال إيران لالتزاماتها، ولو كان المطلوب لذلك رفع العقوبات التي لا تتّسق مع الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
– الذين يستغربون ما يجري من حلفاء واشنطن ويقولون بدأنا نشعر أن إيران هي الدولة العظمى وليست اميركا، تقول التحليلات الأميركية إن إيران التي كانت متحمّسة للعودة إلى الاتفاق أو للإلتزام الأوروبي بالمتاجرة والمعاملات المصرفية مع إيران في السنة الأولى بعد الانسحاب الأميركي، لأن الاقتصاد الإيراني تفاعل مع الاتفاق واستثمر مليارات الدولارات في مشاريع انفتاحية سياحية وعقارية ومصرفية، واحتاج سنتين لاحتواء التحولات اللازمة، لم يعد كذلك بعدما قطع شوطاً كبيراً على خط البناء الذاتي للاقتصاد المغلق على الغرب ويخشى ان تؤدي العودة إلى الاتفاق إلى عودة الانفلاش الانفتاحي ومخاطرة عودة أميركية جديدة للعقوبات بعد أربع سنوات، بينما بدأت إيران تتلمّس عناصر القوة في فرص التكامل الاقتصادي الآسيويّ خصوصاً عبر اتفاقها مع كل من الصين وروسيا وجيرانها. وبالتوازي تقول تحليلات أخرى إن إيران تسارع الخطى في تخصيب اليورانيوم وتخزين المخصب، وتفضل إكمال مسارها لامتلاك ما يكفي من مقدرات إنتاج سلاح نوويّ ولو لم تقم بإنتاج هذا السلاح، وثمة تحليلات ثالثة تقول إن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي يسيطر المحافظون على مسارها، ستعني في حال حدوثها من دون توقيع العودة إلى الاتفاق أن لا عودة بعدها، وأن لا تيار إصلاحياً ستقوم له قائمة بعدها، ولتقاطع هذه التحليلات يستنتج الخبراء الأميركيون أن على واشنطن أن تلهث وراء طهران للعودة الى الاتفاق، وتدفع فواتير هذه العودة قبل نهاية شهر أيار المقبل، وتسأل ما دامت الحرب غير ممكنة، وبديل الاتفاق هو العقوبات، فماذا جلبت العقوبات في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وقد بلغت حدّها الأقصى؟ ويجيبون أن مهلة امتلاك إيران لمقدرات إنتاج سلاح نووي تراجعت من سنة الى عدة أسابيع، وأن مدى الصواريخ الإيرانية زاد من 3000 كلم الى 7000 كلم، وأن انتصارات سورية تمّت في زمن العقوبات وعهد ترامب ومثلها الصواريخ الدقيقة لحزب الله، ومثلهما التحوّل النوعيّ في قدرات أنصار الله الذين يسيطرون اليوم على أمن الطاقة وأمن الخليج.
– هكذا قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.