أيها الفاسدون .. الحساب اقترب
علي بدر الدين
يُروى أنّ ملكاً، استدعى أحد رعاياه، المعروف عنه أنه نصّاب ومحتال، بعد أن كثرت عليه الشكاوى، وسأله: كيف تنصب على الناس؟ أجابه النصّاب: بخبرتي وذكائي.
فطلب منه الملك أن ينصب ويحتال أمامه، فأجابه: ليس لديّ عدة النصب، فأمر الملك جنده أخذه لجلب العدة، وطلب منهم الحذر حتى لا يهرب. عاد الجند ومعهم النصّاب، وقد أتى بـ بكَرة وخيط من القطن وبعض الشمع. قال للملك: أوّل خطوة نقوم بها في فنون النصب، هي أن نشمّع الخيط، طالباً منه الإمساك بطرفه، وبدأ النصاب بـ «فكّ البكرة» وتشميع الخيط، وخرج من القاعة، ومشى في بهو القصر وهو يشمّع الخيط، خرج إلى الشارع وهو يشمّع الخيط، نظر حوله، فلم ير أحداً، رمى الخيط وهرب، والملك لا يزال ممسكاً بطرف الخيط، وينتظر التشميع، فجأة انتبه أنّ الخيط الذي بيده توقف عن التمدّد، فسأل جنده عن النصّاب، فأجابوه، شمّع الخيط وهرب.
في حين أنّ المنظومات السياسية المالية السلطوية الحاكمة في لبنان على مدى عقود، أتقنت على ما يبدو، أحد أهمّ فنون النصب والاحتيال، من خلال قراءاتها المتعمّقة لتجارب حكام وشعوب سبقوها، وفي كيفية وضع اليد والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد، وطريقة الحكم، وغيرها من فنون الشعوب وجنونها وبعض ألاعيبها وسلوكياتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التقاط فن تشميع الخيط، ولكن من دون الهروب، أو إذا كان لا بدّ منه فإلى الامام، وقد أبدعت هذه المنظومة السياسية، في تطوير عملية التشميع، فبدلاً من الهرب، قامت بلفّ الخيط بعد تشميعه على أعناق الناس وخنقهم، من خلال حرمانهم من كلّ حقوقهم وإفقارهم وتجويعهم ونهب أموال الخزينة والمودعين منهم في المصارف، وعبر إذلالهم وإفقادهم لآدميتهم وإنسانيتهم وحقهم بحياة كريمة في وطن ودولة ينعمون فيهما، أقله بالحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعية والمساواة والاحترام.
هذه المنظومة السياسية، تشمّع خيوطها، وتهرب إلى حماية مصالحها وثرواتها والإمساك أكثر بالسلطة، والانكفاء إلى ملاذاتها الآمنة، وإلى بيئاتها الحاضنة، وإلى الخطوط الحمر الطائفية والمذهبية والمناطقية، وإلى القوانين الانتخابية المشوّهة التي تعيد إنتاجها، وتهرب كما هو حاصل منذ بدء التكليف بتأليف الحكومة، إلى افتعال الأزمات والمشاكل بين مكوّناتها، عند أية مبادرة، أو إمكانية معالجة لأزمة أو لملف أو لولوج أيّ حلّ، وآخر هذه «الإبداعات»، السجال الحامي الدائر، الذي ألهب الوضع السياسي الطائفي والمذهبي، الملتهب أساساً، المتمثل بالمفاضلة بين تأليف الحكومة والتدقيق الجنائي! ولمن تكون الأولوية، على طريقة مَن قبل مَن الدجاجة أو البيضة، حيث السجال لا يزال مستمراً منذ آلاف السنين، ولم يُحسم الأمر بعد.
هكذا دخل لبنان بفضل منظومته السياسية الدوامة ذاتها، مَن قبل مَن الحكومة أو التدقيق الجنائي؟ في حين انّ الخيارين لن يتحققا في المديين القصير والمتوسط، وعبثاً يحاول البعض، والبلد بات على شماعة خيط رفيع آيل للقطع والسقوط.
وبدلاً من استمرار هذه المنظومة بالتصويب على بعضها، لتأمين مخارج هروبها من مسؤولياتها، ومن تواطئها أو فشلها وعجزها، الأجدر بها أن توجه بوصلتها إلى أولويات الناس وتلبية احتياجاتهم وحقوقهم، وليس افتعال مشاكل وهمية داخلها، ورميها عليهم وإشغالهم بالبحث عن ربطة خبز، هي معشوقة الفقراء وسترهم، والوقوف صفوفاً وطوابير، والتدافش للحصول على حقهم في رغيف الخبز، الذي لا يتجرأ أحد في العالم أن يتلاعب به أو يحتكره أو يحرمهم منه، وحدكم تجرأتم على فعل جرم بحق هؤلاء، لن تسامحوا عليه لا في دنياكم ولا في آخرتكم.
من حقّ الشعب أن يسأل، ماذا بعد المتاجرة بالرغيف، والمحروقات والدواء والكهرباء والنفايات والليرة والاتصالات واللحوم والمواد الغذائية والطبابة والاستشفاء، وقد اقتربت ناركم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومن المؤسسات الرسمية الضامنة، وقد نهبتم وأفسدتم وعملتم «السبعة وذمتها» وما زلتم تمارسون ساديّتكم وجشعكم، من دون توقف، حتى طار البلد وافتقر الشعب وجاع ومات. ألم يحن الوقت بعد لتشميع خيطكم والهرب، لأنه هذه المرة سيلتفّ على رقابكم إنٍ طال الزمن أو قصر.