الأميركيّون والفرنسيّون يتصدّون للدورين السوريّ ـ الإيرانيّ
} د.وفيق إبراهيم
يعتبر الأميركيون بشراكة فرنسية أن المرحلة الحالية مهمة جداً للإمساك مجدداً ببلاد الشام وفرض تراجع على المحور الإيراني بما يعنيه من تحالف وثيق بحزب الله وأدواره في سورية ولبنان.
وهذا يستتبع فوراً حلفاً أميركياً ـ فرنسياً مع كل من السعودية والإمارات في محاولة مكشوفة لتطويع السياسة العراقيّة ووضعها في خدمة معاداة سورية ولبنان او التخفيف على الأقل من أحجام العلاقات معها.
لذلك يتجه الأميركيون وشركاؤهم العرب والأجانب لتأمين دعم يساند تشكيل سعد الدين الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة مع إجراءات مواربة لمعاقبة غربية ـ عربية للوزير السابق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لأن مثل هذه العقوبة تهب الحريري وتمنحه قوة إضافية تعادل قوة العهد العونيّ إن لم تتمكن من تجاوزه أحياناً.
بالمقابل، يعمل العهد العونيّ بالتعاون مع الفريقين السوري والإيراني مدعومين من حزب الله على إبعاد الحريري بأي وسيلة ممكنة، ويراسلان سراً السعودية في إطار مشروع لإبعاد الحريري باعتبار ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يريد السعد رئيساً لحكومة لبنان، ويتردّد أنه مؤيد للسنيورة أو آخر من نادي رؤساء الحكومات السابقين.
في الإطار نفسه وخلافاً للكثير من المقولات المختلفة يشجع الأميركيون العراقيين على فتح علاقات واسعة بالسعوديين تقوم على استعداء سورية واليمن وفتح صفحات واسعة مع لبنان غير العوني والبعيد عن حزب الله وإيران بالطبع.
الشرق الأوسط اذاً ميدان نزاع مفتوح يحاول فيه الأميركيون والفرنسيون والسعوديون طرد النفوذين الإيراني ـ السوري، لكن مثل هذا المشروع لا يبدو سهلا لأن القوى المؤيدة للإيرانيين والسوريين هي قوى جذرية ومتمكنة، قد يلزمها تأييد إسرائيلي كبير الى جانب الادوار الفرنسية والأميركية والسعودية والاماراتية، باعتبار أن حزب الله لم يعد مجرد تركيبة داخلية لبنانية قابلة للتراجع بسرعة، تكفي الإشارة هنا الى أن هذا الحزب هزم الإسرائيليين وحلفاءهم الداخليين والإرهاب في عرسال والداخل اللبناني ويكاد يمسك الى جانب الجيش اللبناني بمعظم المواقع الاساسية في لبنان، ولديه قوى إسناد اقتصادي هائل، كافية لإطعام الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.
ماذا فعل الأميركيون للمجابهة؟
استحضروا الخليج، لكنهم لم يكتفوا بل استجلبوا جامعة الدول العربية بسياستها المصريّة وبعديها المصري ـ السعودي والإماراتي وألقوا بها في الساحة اللبنانية في محاولة للإمساك السياسي بلبنان من طريق سياسات التعريب الجامعة بين خليج نفطي وسياسات عربية مصرية ترقى الى خمسينيات المرحلة الناصرية التي لا تزال تحتفظ بذكريات سياسيّة هامة.
فيتبين أن الأميركيين يريدون تعريب لبنان بمصرية ناصريّة ونفطية خليجية بما يؤدي فوراً إلى الغاء إيرانيته والحد من سوريته.
وهذا يتطلب دعماً اقتصادياً خليجياً لن يكون بعيداً كما يعتقد البعض مع تشكيل حكومة موالية للأميركيين والفرنسيين والخليجيين وجامعة الدول العربية.
بالمقابل يسعى الفرنسيون إلى معاقبة جبران باسيل لتحصين وضعية سعد الحريري في حكومة جديدة، لكنها من الأمور الصعبة باعتبار ان الدورين السوري والإيراني ليسا سهلين على العقاب العربيّ وبإمكانهما الدفاع عن نفسيهما بدعم من قوى دولية على رأسها روسيا التي لا تسكت ابداً وقد تجد في هذه الأساليب الغربية مدخلا كبيراً للعثور على تموضعات واسعة في لبنان، هذا الى جانب الصين الباحثة واللاهثة عن تمركز في المحور السوري اللبناني الإيراني يعينها على مجابهة الأميركيين.
من جهة ثانية يصل الى لبنان وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل للعودة الى اسلوب فضّ النزاع النفطي ـ الغازي بين «اسرائيل» ولبنان في الحدود البحرية الجنوبية وقد لا يتورع عن مناطحة الخلاف السوري ـ اللبناني في مناطق الشمال البحرية حول الاحتياطات الغازية والنفطية المتراكمة في الجزء الشمالي من حدود البحر المتوسط بين البلدين.
ومثل هذه الأدوار تمنح لبنان وضعاً اقتصادياً متيناً يكفيه لإعادة موازنة اوضاعه الاقتصادية يربطها بأوضاعه السياسية على اساس موازنات سورية ـ أميركية وربما إيرانية بما يمكن اذاً التعويل على ديفيد هيل مقروناً بمحاولات أميركية ـ فرنسية لاستجلاب الخليج النفطي الى لبنان، وهذا يؤدي إلى تحسين نوعي للأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان.
فهل هذا ممكن؟ يحتاج الأميركيون الى سياسات لبنان اقتصادية مقبولة تندرج في ـطار المشروع الأميركي الدولي الباحث عن نحو 750 مليار دولار لإعادة السيطرة على العالم ومجابهة النفوذ الصيني المكتسح للعالم بأسره.
فهل يؤدي لبنان هذا الدور؟ إنه ذاهب اليه بدعم أميركي ـ سوري ويتبقى الدور الإيراني الغامض الذي يترقب الموقف الصينيّ ليحدّد حركته المستقبلية ودور حزب الله.