“فيروس» التجزئة
معن بشور
في زمن الحديث المتواصل عن فيروس «كورونا» الخبيث الذي يخطف لنا كلّ يوم حبيباً أو عزيزاً أو رفيقاً، لا بدّ من التذكير بفيروس آخر فتك بجسد الأمة منذ أكثر من مئة عام وهو فيروس التجزئة الذي من خلاله تسللت كلّ الأوبئة الخبيثة الى هذه الأمة بدءاً من المشروع الاستعماري وربيبه الصهيوني في «وعد بلفور» واتفاقيات سايكس – بيكو واتفاقيات «كمب ديفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة» وأخيراً الى «الاتفاقات التطبيعيّة الإبراهيمية» الجديدة.
من خلال فيروس التجزئة تسلل إلينا وباء الجوع والفقر ونحن من أغنى أمم العالم، وتسلل إلينا الوهن والضعف ونحن من أقوى الجماعات البشرية، وتسللت إلينا أوبئة الفتنة والاحتراب والتمزق الداخلي، ونحن من أكثر الأمم اتحاداً في ثقافتها وحضارتها وآمالها وآلامها.. وتسلل إلينا وباء الجهل والتخلف ونحن من أعرق الأمم حضارة وثقافة وإسهاماً في الفكر والعلوم الإنسانية…
بل من خلال فيروس التجزئة وقيام الكيانات «الميكروسكوبية» في وطننا أمكن لمن يمتلك بعض الثروة او النفوذ او الدعم الخارجي من التحكم بشعوبنا ومقدساتنا ومصيرنا…
هل نتذكر هذا الفيروس فنحصّن أنفسنا من وباء التجزئة، ونبعد عن صفوفنا كلّ داعية للفرقة والانقسام والاحتراب أيّاً كانت حجته ومبرّراته وأسانيده..
لتكن أيامنا مع حلول أعياد القيامة، وشهر الصوم الفضيل، عملاً وجهداً وفكراً ضدّ الفيروس الأخطر والمستمرّ منذ عقود… فيروس التجزئة وتداعياتها من احتلال وفتنة وانقسام وتشرذم وجهل وتخلّف وتعصب واحتراب أهلي…
ولينطلق كلّ شرفاء الأمة في حملة فكرية وسياسية ونضالية لمكافحة فيروس التجزئة وكلّ أعراضه، ولتتوحد جهودها وطاقاتنا من أجل قيام وحدة عربية ذات مضمون ديمقراطي تقدمي عصري وعمق إيماني وحضاري، ليس مهماً شكلها الدستوري بل المهمّ هو إشاعة روح التواصل والتكامل بين أبناء الأمة لمواجهة كلّ التحديات…
صحيح أنّ للمشروع النهضوي العربي أهدافاً عدة، لكن الطريق اليها يمّر بالضرورة عبر الوحدة، وطنية وقومية، التي تحتاج بدورها الى تقدم في تحقيق الأهداف الأخرى في الديمقراطية والاستقلال والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والتجديد الحضاري.