استهداف الناقلات… ما الذي قد يكون خلف الصورة؟
} نزار فاضل عثمان*
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «إسرائيل» قامت بإبلاغ الولايات المتحدة، عن استهداف الصهاينة سفينة الشحن الإيرانية «سافيز»، أمام سواحل إريتريا في البحر الأحمر. قبل ذلك ادّعت «إسرائيل» استهداف إحدى ناقلاتها في بحر العرب، الأمر الذي صنّفه بعضهم، كثأر إيرانيّ على اغتيال الشهيد محسن فخري زاده. وإن أضفنا لهذا ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقريرها الصادر في 11 آذار 2020 أنّ «إسرائيل» استهدفت ما لا يقلّ عن 12 سفينة وناقلة متجهة الى سورية، يُعتقد أنها تحمل نفطاً إيرانياً. كلّ هذه الأمور وغيرها، قد تكسب التساؤل التالي مشروعيّة: هل بتنا أمام حرب ناقلات وسفن جديدة، مسرحها الخليج الفارسيّ، وبحر عُمان، والبحر الأحمر؟ وهل هذه الاستهدافات تدلل على أهداف عنوانها بطريقة أو بأخرى الثأر من جهة، وربما تسجيل النقاط، أم أنّ ما يجري يصبّ في خانة استراتيجية بعيدة المدى؟
يعود بنا عنوان استهداف الناقلات إلى الحرب الإيرانية – العراقية خلال عقد الثمانينيات، حيث حاول صدام حسين منع إيران من تصدير النفط عبر ضرب الموانئ والسفن الإيرانية، وقد ردّت إيران حينها بضرب سفن خليجية تدعم دولها نظام صدام… بهذا هل من الممكن أن نقول ما أشبه اليوم بالبارحة؟
يبدو أنّ ما جرى في حقبة الثمانينيات قد يكون يمثل نوعاً من ردّ الفعل الذي تمليه الحرب بأقسى معانيها، واليوم إذ تتخذ العقوبات والحصار على إيران بُعد الحرب الاقتصادية، هل يمكن أن ننظر إلى ما يحصل إبان هذه الفترة في الخليج الفارسي وغيره بالنظرة نفسها؟ الواقع ربما قد تتشابه الدوافع والمنطلقات بنسب متفاوتة، غير أنّ الغالب من استهداف الناقلات يمثل نوعاً من إرسال رسائل تهديدية، أو بشكل أو بآخر عرض العضلات. هذا مع عدم غضّ الطرف عما قد يكون حرب أدمغة، تهدف في ما تهدف لإرسال إشارات إنذار باتجاه هذا الطرف أو ذاك.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ ما جرى خلال حقبة الثمانينيات، كان جزءاً من حرب شاملة، ومعلوم أنه في الحرب كلّ شيء مباح بقدر معيّن ووفقاً للحدود التي تراها قيادات الأطراف المتحاربة. أما اليوم وعلى ما ذكرنا، وأخذاً بالأثمان المحدودة التي يشكلها استهداف الناقلات، فالحال أشبه ما يكون على ما تناولناه آنفاً، تسجيلاً للنقاط، وسعياً لرفع منسوب التوتر المقنن والممسوك نوعاً ما لاستخدام هذه الأمور كنقاط في مفاوضات لاحقة، أو رسائل شدّ وجذب، وحينها ترجّح كفة التنسيق الأميركي – «الإسرائيلي» في ما يعني المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، ويرجّح معها الافتراض أنّ التعاون بين الطرفين على أعلى مستوياته، على الرغم من سعي الطرفين لإظهار عكس ذلك، سعياً لبلورة لُبنات استراتيجية قد تتخذ مجالها للتحقق قريباً.
بعد هذا، فما الذي يمكن قراءته جراء هذا الاستهداف للناقلات، وقضية تدور مدار سعي الكيان الصهيوني بمنع إيصال النفط ومشتقاته إلى سورية وحسب؟ أم انّ هناك ما هو أكثر خفاء وراء الصورة؟ لا يمكن في الواقع فصل ما يجري على الناقلات عن محصلة الأحداث التي تشهدها المنطقة، فهناك أولاً موضوع الملف النووي الإيراني وما يرتبط به من قضايا، ومنها أيضاً اتفاقيات التطبيع مع دول عربية شهدها العالم في الأشهر القليلة المنصرمة، وهناك العداء المستحكم بين محور المقاومة والكيان الصهيوني، فضلاً عن سعي بايدن للاضطلاع بدور في غرب آسيا يضمن له مصالح الولايات المتحدة للتفرّغ للشأن الصيني، وغير ذلك. وعليه، كيف يمكن قراءة استهداف الناقلة «سافيز» في البحر الأحمر وقرب سواحل إرتيريا؟ على ما يبدو أنه يحمل رسالة للجمهورية الإسلامية وحلفائها، أنّ مضيق باب المندب ومن ورائه البحر الأحمر بات في عهدة الصهاينة، بهذا، فإنْ كانت إيران لها اليد الطولى في الخليج الفارسي ومضيق هرمز، فالكيان الصهيونيّ لربما رغب بتسليط الضوء على هيمنته المستجدّة على البحر الأحمر وباب المندب من جهة، وإنْ أضفنا القناة التي أعلن في الفترة الماضية عن رغبة الكيان الصهيوني بشقها إثر حادثة جنوح الناقلة «إيفر غيفن» من جهة أخرى، ما يظهر أمامنا ملياً أنّ السيناريوات المحتملة للممرات المائية قد تتخذ شكلاً جديداً وأكثر حدة في الصراع، قد تتجاوز بأسلوب أو بآخر عنوان التجاذب وشدّ الحبال بين إيران والولايات المتحدة في ما يعني الملف النووي، كما قد يذهب بعضهم.
تبقى نقطة أخيرة، وتتبلور من خلال السيطرة المستجدة للكيان الصهيوني على أجزاء كبرى من شواطئ البحر الأحمر، عبر اتفاقيات التطبيع التي عقدتها مع غالبية دوله – مع ضمّ السعودية التي لم توقع اتفاقية تطبيع إلى الآن غير أنها تتعامل مع «إسرائيل» بسياسة ودية -، هل ينتج من جراء استهداف الناقلة الايرانية رسالة موجهة لإيران وحدها؟ قد لا نجانب الصواب كثيراً، إنْ رأينا انّ الموضوع قد يرتبط أيضاً بالحزام والطريق لمشروع خط الحرير الصيني، وهذا ما يعزّز النظرية أنّ سيطرة «إسرائيل» على منافذ البحر الأحمر باتت تشكل حاجة أكثر من ضرورية بالنسبة للكيان الصهيوني، يصبّ في خانة المنافع الاقتصادية الجمة الناتجة عنه. ثم إنْ أضفنا حالة التوتر التي يشهدها العراق وسورية ولبنان، وهو الذي يمكن بطريقة أو بأخرى نسج إحدى القراءات للاستهداف «الإسرائيلي» لمعبر البوكمال – القائم من خلاله، الأمر الذي يفتح شهية الكيان الصهيوني للسيطرة على ممرّ بري يجعل من موانئها طريقاً آخر لشرق المتوسط، عبر تهميش موانئ سورية ولبنان. فتكون النتيجة بحسب هذا الافتراض، أنّ الكيان الصهيوني يتبلور كقوة كبرى لا غنى للصين عنه في خط الطريق والحزام.
* كاتب وباحث سوري.