رياض سلامة… آخر الدواء الكيّ
} أحمد بهجة*
ليست طريقة تعامل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع قضية التدقيق الجنائي هي الأولى التي يتأكد معها اللبنانيون أنّ «الحاكم» لا يمارس وظيفته بأمانة ونزاهة وشفافية، كما يُفترض أن يكون دور حاكم المصرف المركزي في أيّ دولة من دول العالم.
بل انّ سلامة يواصل منذ ثلاثة عقود سياساته النقدية الخاطئة التي أوصلت لبنان واللبنانيين إلى ما هم فيه اليوم، ورغم ذلك نراه مستمراً في السياسة الخاطئة نفسها التي تغرق البلد أكثر فأكثر وتصل به إلى أعماق سحيقة تجعل عمليات الإنقاذ صعبة إنْ لم نقل مستحيلة.
طبعاً سلامة ليس وحده، بل هو واجهة لمنظومة كاملة متكاملة تستفيد من سياساته وصفقاته وهندساته و «هلوساته»، وتضمّ هذه المنظومة عدداً غير قليل من السياسيين والاقتصاديين وأصحاب المصارف ووسائل الإعلام والصحافيين والإعلاميين، ومع الأسف الشديد تضمّ المنظومة أيضاً بعض رجال الدين…
وقد تأكد هذا الأمر قبل سنة من اليوم حين وُضع ملف «الحاكم» على النار، وكاد مجلس الوزراء أن يتخذ قراراً بإقالته، إلا أنّ الداء الطائفي العميق الجذور في هذا البلد المنكوب جعل البطريرك بشارة الراعي يرسم حول سلامة خطاً أحمر، كما فعل غيره من رجال الدين سابقاً مع مسؤولين آخرين يعرف اللبنانيون جميعاً حجم فسادهم وارتكاباتهم وإهدارهم واستفادتهم من مليارات الدولارات من الخزينة العامة.
الخط الأحمر الطائفي لم يؤدّ فقط إلى إبقاء سلامة في منصبه بل أدّى أيضاً إلى جعله يتمسّك أكثر فأكثر بالسياسات الخاطئة نفسها، وأكبر دليل على ذلك رسالته الأخيرة إلى المدعي العام المالي، والتي ضمّنها إنذاراً بتوقف المصارف المراسلة عن التعامل مع لبنان، وهو ما يماشي الضغوط الأميركية والدولية والخليجية التي يتعرّض لها لبنان من أجل التخلي عن عناصر قوّته ومنعته الوطنية.
وحين ازداد الوضع سوءاً وقفز سعر صرف الدولار إلى مستويات عالية جداً لامست الـ 15 ألف ليرة، حاول راسمو الخط الأحمر التنصّل من فعلتهم، لكنهم بالأمس عادوا من جديد إلى هواية التلوين، ورفعوا منسوب الإحمرار في الخط الطائفي الأحمر، إذ رفضوا حصول التدقيق الجنائي قبل تشكيل الحكومة الجديدة!
ماذا يعني هذا الأمر؟ ببساطة شديدة ومن دون حاجة إلى الكثير من البحث والسؤال، يقول هؤلاء للبنانيين: لن تعرفوا مَن المسؤول عن خراب بيوتكم واقتصادكم وحياتكم. ويقول للمودعين المقيمين والمغتربين اللبنانيين وغير اللبنانيين: انسوا أمر ودائعكم ومدّخراتكم وجنى أعماركم لأنكم لن تعرفوا من تسبّب بضياعها ولا مَن سلبها منكم وحرَمكم وحرَم عائلاتكم وأبناءكم من الحياة الهانئة التي كنتم تحلمون بها وتخططون لها.
أما القطبة المخفية في رفض البطريرك الراعي بدء التدقيق الجنائي قبل تشكيل الحكومة الجديدة فهي أنّ الحكومة القائمة اليوم برئاسة الدكتور حسان دياب هي التي أقرّت التدقيق الجنائي، وهي بالتفاهم والتكامل مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تخوض المعركة لدعم حصول التدقيق في أسرع وقت ممكن حتى يصل إلى النتائج المرجوّة وعندها يمكن تحديد المسؤوليات بدقة ومحاسبة المقصّرين والمرتكبين والمستفيدين، وبالتالي تتمّ استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى حيث يجب أن تكون.
أما القول بإجراء التدقيق الجنائي بعد تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري فهو من قبيل ذرّ الرماد في العيون، ذلك أنّ الحريري هو رئيس المنظومة التي تحدثنا عنها سابقاً ولن يكون مسهّلاً للتدقيق بل هو مَن يغطي فعلياً رياض سلامة… وهذا ما يجب أن يعيه اللبنانيون جميعاً ليبنوا على الشيء مقتضاه.
*خبير مالي واقتصادي