ماذا بعد توقيع المرسوم؟
ناصر قنديل
– أصبح توقيع مرسوم ترسيم الحدود البحرية للبنان وراءنا، حيث ينتظر اليوم إعلان توقيع رئيس الجمهورية صاحب الدعوة لتوقيعه، ما يعني أن المرسوم قد أنجز عملياً، ومع إنجازه يدخل لبنان مرحلة جديدة تنهي أي مبرّر للنقاش بما قبله، فمن جهة كل الذين كانوا يجادلون بفرضيّة تفضيليّة بديلة للمرسوم من موقع القلق على المصالح الوطنية لجهة خطورة التراجع عن الخط المحدّد في المرسوم الجديد عبر التفاوض أو خطورة إقفال باب التفاوض، باتوا اليوم مطالبين بالوقوف وراء الوفد المفاوض بكل قوة والدفاع عن المرسوم، كما حدث يوم تمّ تسجيل موقف من تركيبة الوفد المفاوض وضمّ مدنيين إلى صفوفه، فاليوم لا مكان للاجتهاد لأنه إضعاف للتماسك الوطني المنتظر ترجمته بالدفاع عن المرسوم كآلية للدفاع عن حقوق لبنان، ومواجهة الضغوط والفرضيّات التي ستواجه لبنان.
– بالمقابل الذين كانوا يدعون لتوقيع المرسوم وصوّروا كل من ناقش الفكرة من موقع لا يقل حرصاً على المصلحة الوطنية طلباً لنقاش هادئ لمفهوم المصلحة الوطنية، كخائن ومشبوه ونسجوا سيناريوات افتراضيّة عن صفقات مشبوهة تمت بين بعض الأطراف اللبنانية والأميركيين تفسر وجود آراء أخرى في كيفية حماية الحقوق اللبنانية وثرواته في النفط والغاز. والتوقيع يقول إن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ليس طرفاً في صفقة عنوانها دخول نادي رؤساء الحكومات السابقين مقابل تبني سياسات أركانه وفي مقدّمتها تعطيل مرسوم ترسيم الحدود البحريّة.
– توقيع المرسوم خصوصاً من وزير الأشغال يقول إن الوزير السابق سليمان فرنجية وتيار المردة ليسوا طرفاً في صفقة مع الرئيس المكلف سعد الحريري لإبقاء ملف الترسيم عالقاً بانتظار الحكومة الجديدة، ولا هو من موقعه كمرشح رئاسيّ طرف في سعي لمغازلة الأميركيين على حساب المصلحة الوطنية، وتفادياً لعقوباتهم التي طالت وزيراً من تياره السياسي بخلفية الملف نفسه هو الوزير السابق يوسف فنيانوس.
– توقيع المرسوم يقول إن ما صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة اعتبار أن العملية باتت بعهدة رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية، وأن اتفاق الإطار لا يضمن تفاوضاً على مساحة معينة لا تقبل التعديل، وأن ترسيم الحدود البحرية أمر تقني يقوم به الخبراء، كما فعل الجيش اللبناني، وإدارة التداخل بين ملفي الترسيم والتفاوض أمر تتولاه السلطة التنفيذية، وأنه سيدعم ما قرره خبراء الجيش تقنياً وما ستقرره الحكومة ورئاسة الجمهورية سياسياً، كان كلاماً يعبر عن حقيقة موقف الرئيس بري، الذي افترض البعض أنه يعطّل توقيع المرسوم بالتعاون مع حليف رئيس تيار المردة عبر امتناع وزير الأشغال عن التوقيع.
– توقيع المرسوم يقول إن حزب الله الذي يمثل حزب المقاومة، بقي في هذا النقاش منفتحاً على الخيارات التي تتخذها السلطة السياسيّة من دون التدخل في مضمونها، حرصاً على صدقية موقف المقاومة الذي يجب أن يكون نزيها في مضمون الدفاع عن أية حدود سيادية تقررها الدولة عبر مؤسساتها الدستوريّة، وحزب الله كشريك في هذه المؤسسات مباشرة وعبر تحالفات، معني بأن لا يشارك في تحديد وجهة تصرف الدولة ومؤسساتها، منعاً لإصابة التزامه كحزب للمقاومة بصدقيته إذا كان هو مَن يدفع باتجاه مضمون التزام الدولة، الذي تقول المقاومة إنها ستحميه.
– بعد التوقيع يجب أن يظهر لبنان موحداً خلف وفده المفاوض، وبوجه الضغوط الأميركية، وتهديدات كيان الاحتلال، وأن يتمّ حشد كل عناصر القوة اللازمة سياسياً ومعنوياً وميدانياً لمنع كيان الاحتلال من بدء استثمار حقول النفط والغاز الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية التي حددها المرسوم، لإلزامه بالعودة للتفاوض طريقاً وحيداً لضمان الوصول الى اتفاق يتيح التنقيب عند الحدود التي ينتهي اليها التفاوض، وهذا يعني عدم التشكيك بأية مناورة تصعيد او مرونة يظهرها الوفد المفاوض، ضمن ضرورات الشد والجذب التي تعرفها المفاوضات، وقبول النتيجة التي يصل اليها الوفد المفاوض وتقبلها قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية، من دون الدخول في لعبة تصفية حسابات من نوع، لقد قلنا لكم كان الأفضل عدم السير بالمرسوم، لإتاحة المرونة اللازمة للتفاوض، ومنع تظهير كيان الاحتلال منتصراً بأي تعديل لخرائط المرسوم الذي سيتم إيداعه لدى الأمم المتحدة، ثم تعديله بخرائط جديدة ينتهي اليها التفاوض.