شهيدة من بلادي
}د. رائدة علي أحمد
هي ابنة السابعة عشر قمراً، عرّشت على بندقيتها، فامتشقتها، بثقة المقاوم الخبير، وتابعت خطاها الواثقة على درب الانتصار، فاعشوشبت الدرب حرية، وأورقت جرأة وشجاعة وتضحية.
مشت، يقودها عبق أقحوان أخيها الشهيد، تقتفي أثره، تبحث عن عطر دمه في الحقول والبراري، وفي ضمائر زعماء الطوائف “المنتشين بالنصر”، يحصّن قلبها إيمانها بحبها للوطن، وحلمٌ يتوق إلى التحرير، وعتق الأسرى من معتقل أنصار والخيام وعتليت.
تقتفي أثر عبق دم الشهيد الذي انتشر على جنبات الطريق الممتدّة على طول سكة الحديد التي أحالتها الدولة اللبنانية إلى التقاعد، منذ نعومة أظافر الوطن، ثمن جثمانه لا يزال في جيوب موظفي سكة الحديد من فئة الدرجة الأولى والثانية. وفي جيوب المتآمرين على الشعب، والوطن يئنّ من العمالة والفساد والتراخي والاتكالية والانقسامات الداخلية، لكنّ القافلة تسير، وقافلة الشهداء تتسامى نحو السماء فتحبل الغمام وتعيد دمهم أمطاراً تعيد ذكراهم في الورود والأشجار والثمار، وتظلّ أسماؤهم تلمع كالمجد على جبين الوطن الذي لوّثته لوثة الطوائف والحكومات المتعاقبة.
تسير سناء بعتادها الكامل، وسلاحها أطول من قامتها، وأكثر ثقلاً من وزنها، لكنّ عينيها تلمعان تحت أشعة البطولة، التي ترنو إلى النصر، فتروي ظمأ بحيرة القرعون، وتترك سحرها يغتسل بمياهها الملوّثة، وقلبها يتنازعه شعوران: الأول لا عودة عن قرارها؛ الشهادة أو النصر. سلاحها وحده سيفتح بوابة التحرير، وتنطلق العصافير حرّة طليقة، وتتفكّك القيود. والثاني حلمها في أن تصبح أستاذة في اللغة العربية تنير درب المرأة بكوثر المقاومة.
لا تزال شوارع عنقون تحتضن بحنين صورة تلك الفتاة اليافعة التي حازت شهادة الدكتوراه في فنّ الشهادة بامتياز، ولا تزال الأجيال تتظلّل سنديانة عناد سناء، وتملأ سلالها من مواسم إصرارها، وتغرف من متون كتب التاريخ الحديث معاني كثيرة عن الشرف والتضحية والانتماء والشهادة من أجل الوطن، وتتعلّم أنّ المرأة الجنوبية قادرة على المواجهة، وأنّ التضحية والنضال في سبيل الأرض ليسا فوق طاقتها.