زيارة هيل بين استمرار الحصار الأميركي وعرقلة الحلول للأزمة… لن تحصد سوى الخيبة
} حسن حردان
تأتي زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى لبنان وسط اشتداد حدة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في لبنان… والعرقلة المستمرة لأيّ حلول للأزمة، فيما الحصار والضغط المالي الاقتصادي الأميركي الغربي، المصحوب بالتلويح بفرض العقوبات، مستمرّ لفرض الشروط لتشكيل حكومة تنسجم مع التوجيهات الأميركية، وتحديد الحدود البحرية وفق الأطماع الصهيونية، وفرض عزلة على حزب الله بعد إقصائه وحلفائه عن السلطة التنفيذية، في سياق خطة لإضعافه، وتأليب الشارع ضدّه، وصولاً إلى نزع سلاحه المقاوم الذي يقلق ويردع العدو الصهيوني…
ويبدو من الواضح أنّ زيارة هيل تندرج في سياق استكشاف ما إذا كانت الضغوط الأميركية المذكورة في زيادة حدة الأزمة قد أتت أُكلها لناحية إيصال اللبنانيين إلى الاختيار بين مواجهة الجوع، او الاستسلام للطلبات الأميركية الآنفة الذكر.
فعلى عكس كلّ التحليلات التي تقول إنّ الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس جو بايدن، غير مهتمة بلبنان وانّ أولويتها مواجهة التحدّيين الصيني والروسي، وكيفية العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فإنّ لبنان يتصدّر اهتمام واشنطن التي تضعه تحت الرقابة الدائمة من قبل المسؤولين عن الملف اللبناني في الخارجية الأميركية، وذلك لإبقاء لبنان تحت سيف الضغط، ومنع أيّ تحوّل يحقق متنفّساً اقتصادياً ومالياً يخرج لبنان من دائرة الضائقة المالية المستفحلة ومن نفق الأزمة المسدود، عبر إيجاد مخارج عملية من خلال التوجه شرقاً.. وظهر ذلك بوضوح من خلال الدور الأميركي في تعطيل زيارة الوفد الحكومي اللبناني برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب إلى العراق لتوقيع اتفاقيات التبادل والتعاون الاقتصادي والصحي بين البلدين وحصول لبنان على النفط والفيول من العراق مقابل خدمات صحية ومنتجات زراعية وصناعية لبنانية، وكان واضحاً انّ واشنطن كانت وراء الضغط على رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لتأجيل زيارة الوفد اللبناني المقرّرة، وبالتالي منع إتمام وإنجاز الاتفاق ببن البلدين، والذي في حال تحققه سوف يؤدي إلى انفراجة تخفف من حدّة الأزمة لناحية توفير فاتورة النفط والفيول وإيجاد سوق مهمة لتصدير الإنتاج اللبناني، وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد وتقليص الطلب على الدولار، واستطراداً الحدّ من ارتفاع سعره في السوق الموازية، مما ينعكس إيجاباً على الوضعين الاقتصادي والنقدي.
لكن هل انّ المسؤول الأميركي سيجد ما ينشده، من استعداد لتلبية طلبات واشنطن، أم انه سيعود خائباً كما في الزيارات السابقة؟
المتابع للمشهد السياسي في لبنان يلحظ بوضوح انّ الانقسام السياسي بين من يؤيد الاستجابة لشروط واشنطن، ومن يرفض هذه الشروط، لا يزال هو سيد الموقف، في ظلّ غلبة للاتجاه الرافض، كون هذا الاتجاه هو الذي يتحكم بالقرار السياسي… ايّ انّ العقبات أمام تحقيق الانقلاب الأميركي لم يجر تذليلها… وهذا الأمر يظهر من خلال التالي:
أولاً، عدم تمكّن الفريق التابع لواشنطن من فرض تشكيل حكومة اختصاصيين وفق المواصفات الأميركية، رغم استغلاله المكشوف للأزمة وتناغمه مع الضغوط الأميركية بتعطيل تشكيل حكومة وفاق وطني، وعرقلة السير بالتدقيق المالي الجنائي، والتلاعب بسعر صرف الدولار لزيادة حدة المعاناة المعيشية.. حيث فشل هذا الفريق في دفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الرضوخ لهذه الضغوط.. فظلّ ثابتاً على موقفه في رفض القبول بتسهيل تأليف حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري تتولى تنفيذ الانقلاب الأميركي…
ثانياً، نجاح قيادة حزب الله المقاوم في إحباط الخطة الأميركية لتأليب البيئة الشعبية الحاضنة ضدّ المقاومة، وتحميلها المسؤولية مع حلفائه، عن الأزمة الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون.. وهذا النجاح لقيادة حزب الله تجسّد في اعتماد سياسة حكيمة ارتكزت إلى:
1 ـ التمسك بعلاقات حزب الله التحالفية، والعمل على احتواء التناقضات بين حلفاء المقاومة، وبالتالي الحيلولة دون نجاح الفريق الأميركي في عزل المقاومة عن تحالفاتها… وبالعكس.
2 ـ انتهاج سياسة اقتصادية اجتماعية تحصّن البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة، وتجنّبها نتائج الأزمة المعيشية، انْ من خلال تشجيع الإنتاج الزراعي ودعمه والعمل على تسويقه، أو من خلال توفير السلع والمواد الغذائية عبر بطاقة «السجاد»، بالسعر الرسمي للدولار 1500 ليرة، وقد جرى إطلاق هذه البطاقة عشية بدء شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يجنّب الفقراء، من كلّ اللبنانيين، الوقوع فريسة الغلاء الفاحش نتيجة ارتفاع سعر الدولار وتآكل القدرة الشرائية.. وبالتالي يعزز التفافهم حول المقاومة ويحبط الخطة الأميركية…
وتأتي هذه السياسة الاقتصادية الاجتماعية لدعم صمود البيئة الحاضنة للمقاومة، ترجمة لاستراتيجية التصدي للضغوط الأميركية التي أعلن عنها قائد المقاومة أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، لناحية الجهاد الزراعي والصناعي، وعدم السماح بتجويع جمهور المقاومة…
ثالثاً، تعديل مرسوم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة وفق المسح الجديد الذي أجراه الجيش اللبناني وقضى بإضافة 1830 كلم مربع إلى المساحة المتنازع عليها مع العدو الصهيوني لتصبح 2290 ما يعني انّ حقوق لبنان تمتدّ لتشمل أجزاء هامة من المياه التي تحتوي على ثروة كبيرة من النفط والغاز والتي يقوم العدو الصهيوني في العمل فيها لاستخراجها لا سيما في حقل كاريش.. وهذا يؤدّي إلى جعل هذه المنطقة متنازعاً عليها ويضطر الشركة اليونانية التي تعمل في حقل كاريش إلى وقف العمل ريثما يتمّ التوصل إلى حلّ للنزاع عليها، ما سيجبر كيان العدو للعودة إلى المفاوضات غير المباشرة مع لبنان الذي سيصبح في وضع أقوى لتحصيل حقوقه.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ ديفيد هيل سيكون أمام استمرار للموقف اللبناني الرسمي في رفض المساومة على حقوق لبنان في مياهه الإقليمية الخالصة، وفي رفض الضغوط لتشكيل حكومة لا تعكس التوازنات السياسية والنيابية.. أما المقاومة المستهدفة من الضغوط الأميركية، فإنّ هيل سيجدها أكثر قوة وتماسكاً انْ على صعيد تحالفاتها او على صعيد بيئتها الشعبية.. ولهذا فإنّ هيل لن يحصد من زيارته سوى المزيد من الخيبة والفشل في محاولة تحقيق أهداف بلاده من الضغوط على لبنان..