ترجيحات حول أهداف جولة شكري الأفريقيّة بشأن سد النهضة
تأتي الجولة الأفريقية لوزير الخارجية المصري في وقت شديد الحساسية في ما يتعلق بأزمة سد النهضة، واستمرار التعنت الإثيوبيّ في ما يتعلق بالملء الثاني.
حيث أكد السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصري، أن «وزير الخارجية سامح شكري توجّه إلى العاصمة الكينية نيروبي مساء أول أمس، في مستهل جولة تتضمن عدداً من الدول الأفريقية الشقيقة»، لافتاً إلى أن «الجولة تتضمن كلاً من جزر القُمُر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس».
وقال إن «وزير الخارجيّة المصري يحمل رسائل من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية إلى أشقائه رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة والموقف المصري في هذا الشأن».
أما عن أهداف تلك الجولة فقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، إنها «تأتي انطلاقاً من حرص مصر على إطلاع دول القارة الأفريقية على حقيقة وضع المفاوضات حول ملف سد النهضة الإثيوبي، ودعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل السدّ على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث، وذلك قبل الشروع في عملية الملء الثاني واتخاذ أي خطوات أحادية، فضلاً عن التأكيد على ثوابت الموقف المصري الداعي لإطلاق عملية تفاوضية جادة وفعّالة تسفر عن التوصل إلى الاتفاق المنشود».
في هذا الصدد، يرى وزير الإعلام السوداني الأسبق بشارة جمعة، أن الأطراف الثلاثة في أزمة سد النهضة «مصر والسودان وإثيوبيا»، عندما قامت بالتوقيع على إعلان المبادئ في العام 2015، كانت تأمل أن تستفيد كل الأطراف من المنافع التي قد تنتج عن السد في إطار نهضة وتنمية البلدان الثلاثة.
وفي الحديث عن الأهداف التي تريدها مصر من تلك الجولة وإمكانية النجاح في تحقيقها، قال جمعة: «في الفترة الأخيرة أخذت أزمة سد النهضة أبعاداً جيوسياسية أكثر منها تنموية، وأرى أن تلك الأزمة لن تحل وفق التصريحات الإعلامية والإعلانية والحرب الكلامية بين أطراف الأزمة في إطار التصعيد والتصعيد المضاد، فالعلاقة بين مصر والسودان وإثيوبيا هي علاقة أزلية، وبالتالي تعكيرها من الناحية السياسية سيضرّ بمصالح شعوب المنطقة بصفة عامة من إثيوبيا إلى مصر».
كما أكد الوزير السوداني أن «السيناريو الأفضل في تلك الأزمة الآن، هو السيناريو الثلاثي بين أطرافها، ومناقشة الأمور بموضوعيّة، والأقرب والأفضل أن يتمّ حل هذه المشكلة في الإطار الضيق جدا سواء على مستوى الرقعة الإقليمية أو على المستوى الأفريقي».
ولفت إلى أن «تدويل القضية وإخراجها عن إطارها الإقليمي قد يصل بها إلى نتائج غير مرغوبة، لذا فإن الأفضل للدول الثلاث تجنيب بلادها والمنطقة التدخلات والمطامع الخارجية».
ولفت وزير الإعلام السوداني إلى أن «الخيارات السلمية لحل الأزمة هي التي يجب أن تكون متاحة على الدوام، ولا ينجرف الناس إلى الطرق التي ستكون نهايتها مؤلمة للجميع، لكن يمكن الوصول إلى حلول عقلانية وتهدئة الأمور بدلاً من التصعيد الزائد من قبل الأطراف، حتى لو تم الملء الثاني للسد بشكل منفرد من جانب إثيوبيا، والجميع يرجّح كفة الدبلوماسية على التلويح باستخدام القوة العسكرية».
وتوقع جمعة أن «تسفر الجولة الدبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية المصرية سامح شكري في عدد من الدول الأفريقية عن نتائج إيجابية تفضي في النهاية إلى حلول سلمية»، مشيراً إلى أن «الحلول السلمية ما زالت ممكنة، حتى في ما يتعلق في منطقة الفشقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا».
وأشار إلى أنه إن «لم تتم الحلول هذا العام يمكن أن تتم في العام المقبل 2022، فالعلاقات بين شعوب الدول الثلاث أقوى بكثير من العلاقات السياسية بين الحكومات، لأن الحكومات والسياسات تمضي وتبقى علاقات الشعوب ببعضها».
من جهته، قال هاني رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن «الجولة الأفريقية الجديدة التي يقوم بها وزير الخارجية المصري، هي جزء من الجهود المتصلة التي تقوم بها مصر من أجل إطلاع المحيطين الإقليمي والدولي على وجهة نظرها، وشرح مواقفها في العملية التفاوضية، ولماذا وصلت إلى الانسداد، وشرح المخاطر التي تترتب على السلوك الأحادي الإثيوبي بالنسبة لمصر، خاصة أن أثيوبيا تستغل أن جزءاً كبيراً من القضية له طبيعة فنية، لذا فهي تقوم بالترويج للكثير من الأكاذيب، مثل رفضها للمعاهدات الاستعمارية، والحديث عن تقاسم المياه، وضرورة حضور كل دول حوض النيل بما في ذلك الحوض الجنوبي، وهي أشياء لا علاقة لها بعملية التفاوض بشأن سد النهضة».
وأكد رسلان، أن «عمليات التفاوض التي جرت كلها وفق إعلان المبادئ الذي يدور حول ملء وتشغيل سد النهضة فقط، وليس له علاقة بالحصص والمعاهدات، وتستخدم إثيوبيا كل تلك الأكاذيب لمحاولة التشويش والتغطية على موقفها الأصلي الذي يقول إنها تمتلك النهر وتفعل به ما تشاء».
كما تحاول إثيوبيا أيضاً، بحسب رسلان، تسويق أن «هناك مواجهة عربية أفريقية في محاولة لطلب التعاطف والنصرة من الدول الأفريقية، حيث تستغل وجود مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا للتلاعب بتلك المسألة، وهي في الحقيقة تلحق ضرراً كبيراً، سواء بالاتحاد الأفريقي كمؤسسة أو بالعلاقات العربية الأفريقية، عن طريق الترويج لصراعات غير موجودة بالأساس، وهنا تكمن أهمية الجولة الدبلوماسية المصرية في أفريقيا».
وأشار رسلان إلى أن، «قضية التفاوض بشأن سد النهضة تجاوزت السنوات العشر والمواقف أصبحت واضحة، لكن الجولات الدبلوماسية الآن تأتي لشرح عدالة القضية والموقف المصري، وكيف صبرت القاهرة 10 سنوات وأبدت مرونة كاملة وطرحت العديد من الحلول والمقترحات، لكن جميعها كان يتحطم على صخرة التعنت الإثيوبي والإصرار على دفع الأمور نحو الهاوية، وصراع ليس في مصلحة شعوب الدول الثلاث».
وحول ما ستكون عليه الأوضاع حال تعثر التوصل إلى اتفاق ملزم قبل الملء الثاني قال رئيس وحدة دراسات حوض النيل، «سيكون هناك صراع طويل ممتدّ وعدم استقرار والمسألة واضحة».
وعلل رسلان وجهة نظره قائلاً: «لأنه لا توجد خيارات كثيرة متاحة الآن، بعد أن وضعت أثيوبيا الأزمة في مربع ضيق جداً، في محاولة منها لإجبار مصر والسودان على الاستسلام لما تفرضه من أمر واقع».
وبدأت إثيوبيا بناء سد النهضة عام 2011 من دون اتفاق مسبق مع مصر والسودان، وفيما تقول إثيوبيا إن هدفها من بناء السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية، يخشى السودان من تأثير السد على انتظام تدفق المياه إلى أراضيه، بما يؤثر على السدود السودانية وقدرتها على توليد الكهرباء، بينما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
وتتهم إثيوبيا مصر والسودان بمحاولة فرض اتفاق عليها يخلّ بحقوقها، فيما تؤكد دولتا المصب أن بناء سد النهضة على النيل الأزرق يجب أن يسبقه اتفاق بين الدول المعنية بوصف نهر النيل من الأنهار العابرة.
وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن بلاده ماضية في مشروع سد النهضة «مهما كانت التحديات»، وستعمل على تحويله إلى واقع.