تمنيات فرنسا لتشاد بانتقال سلميّ للسلطة!
} السيد سامي خضرا
يُقتلُ «إدريس ديبي» بعد ثلاثين سنة من رئاسة تشاد ومباشرةً وفي الساعة نفسها يتمنّى الفرنسيون، وهو الحليف الميداني لهم، أن يكون هناك انتقالٌ في السلطة بطريقةٍ هادئة وسِلْمية!
هكذا بكلّ بساطة تُستنزف تشاد لعقودٍ مَثَلُها كَمَثَل جاراتها في منطقة الساحل الأفريقي من مالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو وغيرها بحيث يُنهب الاقتصاد وتُهدر مُقدرات البلاد وتسيلُ أنهار الدماء من أجل أن تُحافظ فرنسا على مصالحها وهي التي كانت قد «اتَّفَقت» وحليفاتها في مجموعة الساحل في قمة «بو» في جنوب فرنسا لتقييم الوضع الأمني على عدم تقليص حجم قوة «برخان» الفرنسية المتمركزة في مالي، منذ 2014 لتستمر الأزمة السياسية الإقليمية.
وهكذا وبكلّ بساطة يُزهق حليفها قتلاً في ظروفٍ غامضة وهو مَن خدمها ثلاثين عاماً متتاليةً وقبلها بعشر سنوات مُداورةً من دون أن يكون للمقتل صورة واضحة.
هذه هي حال معظم حكام بلادنا، وتشاد منها، فهي القريبة من واقعنا وأمتنا حتى أنه وقبل أن تُرسم بتصنُّع حدود البلدان العربية الحالية كان من ضمنها تشاد ومالي والنيجر تماماً كجنوب السودان وليبيا وموريتانيا وأريتريا وجزر القمر.
فَمَن زار هذه البلاد يتلمَّس الوجود العربي الإسلامي فيها لغةً وعادات ونَسباً وتاريخاً وعلاقاتٍ اجتماعية وتداخل قبائل حتى أنّ أهالي تلك البلاد عندما تُجالسهم أو تخاطبهم يتكلمون معك بصفتك واحداً منهم، وهي المنطقة التي ضمَّت العديد من الممالك الإسلامية ودمّرتها حملات الاستعمار الفرنسي في القرنين التاسع عشر والعشرين.
والذي حصل في تشاد خلال الساعات الماضية ليس جديداً لو رجعنا بالأرشيف إلى عشرات الأحداث المماثلة مِمَن خدم الأعداء والاستعمار وحافظ على التمركز العسكري الأجنبي ومن ثم تمّت تصفيته بطريقة ما في ظروفٍ غامضة.
وبذلك تنطوي صفحته الحياتية بكلّ خفَّةٍ وهو مُثْقلٌ بما يُدينه من دماءٍ وهدرٍ لموارد وثروات البلاد.
مع العلم أنه ومنذ بدايته العسكرية ودوراته الفرنسية كان يَعِدُ بالحرية وعندما تسلم السلطة أكَّد أنه لا يريد ذهباً ولا فضة ليتبيَّن في ما بعد انقلابه على الرئيس «حسين حبري» أن الدائرة الضيّقة من حوله خاصةً عائلته وزوجته قد استنزفوا كلّ خيرات البلاد.
والغريب أنّ بعض الحكام الحاليين وأصحاب السلطة لا يتعلّمون ولا يتعظون مما يجري حولهم وفي مثل حالتهم.
فالرئيس التشادي «إدريس ديبي» صاحب السلطة واليد الطولى قبل أن يتسلّم الحكم رسمياً عندما كان مُقرّباً من الرئيس «حسين حبري» (الذي يُقيم الآن في سجون السنغال) والذي كان قد أعطاه كامل الثقة فاستغلها «ديبي» للانقلاب عليه ليتسلّم الحكم ويستمرّ في التجديد لنفسه لخمس ولايات متتاليات ثلاثين عاماً حتى جدَّد الولاية السادسة والتي لم تستمرّ فرحتها إلا ليومٍ واحدٍ فقط.
ثلاثون سنة قضاها الرئيس التشاديّ في خدمة الفرنسيين بكلّ سطوتهم الظالمة وأطماعهم التي لا نهاية لها والتي تتعيَّش على دماء أهل تشاد العزيزة..
وأمس يُقتَل فتتمنّى فرنسا انتقالاً سلمياً للسلطة!
فاعتبروا يا أولي الأبصار…