حذار من وصول الانهيار إلى تعطيل القضاء!
} عمر عبد القادر غندور*
سبق للحكومة اللبنانية أن اختارت ثلاث شركات متخصّصة للتدقيق في حسابات المصرف المركزي ومن ثم الاطلاع على الحسابات في كافة الوزارات، بعد أن انهارت مالية الدولة وتحوّل لبنان الى بلد مفلس يستجدي الخبز وحليب الأطفال.
ولم يمض وقت طويل حتى هربت هذه الشركات المتخصّصة وانسحبت من مهام لم تبدأها بفعل شراسة حيتان الفساد في المصرف المركزي وفي الوزارات ومن ورائهم الطبقة السياسية المتحكمة بمفاصل الدولة ورقاب العباد.
وفي وقت تزايدت فيه التحذيرات من مغبة هذا التطنيش عن التدقيق المالي، فجرت القاضية غادة عون النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان أزمة عنيفة لإصرارها على التدقيق المالي والجنائي في شركة صرافة تتهمها بتحويل ونقل أموال الى الخارج على الرغم من قرار استبعادها عن كلّ الملفات المالية الصادر عن مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات!
وقالت مصادر عدلية انّ قرار النائب العام التمييزي بحقّ القاضية عون إجراء تأديبي لمخالفتها القوانين التي تنظم عمل القضاء، ونتج عن ذلك تحركات شعبية بين مؤيد للقاضية عون وبعضها مناوئ لها على خلفية دخول الطبقة السياسية التي هندست هذه التحركات للتعمية وتوزيع الادوار!
ولأن السياسة في لبنان محكومة بالغوغائية، قال متابعون انّ تياراً سياسياً يريد حرف الأفكار عن ملف تعطيل تشكيل الحكومة والتحقيق الجنائي في باقي مؤسسات الدولة التي تعاني من حالة انهيار، ويرى هؤلاء انّ هناك من يسعى الى فتح قضايا جانبية بعيداً عن الملفات الساخنة التي يريد اللبنانيون معرفة نتائجها كتحديد المسؤول عن انفجار المرفأ الى أزمات الكهرباء والطاقة والمنصات السرية التي تتلاعب بتسعير صرف الدولار الى حالة الانهيار في مؤسسات الدولة كافة.
ويحذر اللبنانيون من خطورة إقحام القضاء في تصفية الحسابات بين الأفرقاء المتناحرين وسط مخاوف من انتقال عدوى الانقسام السياسي الى الجسم القضائي وهو المتبقي رغم علاته من هيكل الدولة المهترئة، وهو ما جعل وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم تقول «ما حصل مرفوض من الجميع ونرفض الاصطفاف». وأعربت عن أسفها للخلاف المشتعل داخل الجسم القضائي، وبحيث تتوزع المرجعيات السياسية على القضاة فهذا القاضي يتبع لمرجعية سياسية والقاضي الآخر يتبع لمرجعية أخرى.
وفي ضوء هذه الحالة المزرية لا يسعنا إلا أن نأسف لهذا التدهور الإضافي الذي أصاب الجسم القضائي.
ويعترينا الخوف أن يترافق التدهور الذي يحكم المشهد اللبناني من أن نصبح من غير قضاء .
ومما يؤسف له جداً إقحام القضاء بالسياسة والعكس صحيح، وتطييف إشكالية قضائية وإنزالها الى الشارع مما لا يجوز التغاضي عن إيحاءاتها، وتتحوّل مستديرة قصر العدل الى مبارزة بين فريقين ينتميان الى مرجعيّتين سياسيّتين!
ولا يهمّ أن يرفض الطرفان توزيعهما الى مرجيعتين سياسيتين، لأنّ أحدهما ما كان ليقدم على ما أقدم عليه، ولما كان الطرف الآخر ليردّ عليه بالتجاهل وبمثل هذا الضجيج الذي خرج من المكاتب الى الشوارع، وهي ظاهرة ربما تكون الأولى في بلد يواصل انهياره على كلّ المستويات.
وترى دوائر سياسية لبنانية أنّ التدقيق المالي الجنائي يعدّ خطوة هامة لمكافحة الفساد ومنع حالة الانهيار المتواصلة في المؤسسات المالية للدولة، لكن دون أن يدخل في نطاق تصفية الحسابات السياسية وتحميل طرف واحد دون سواه مسؤولية الانهيار.
ويشكل موضوع التدقيق الجنائي أحد مطالب المانحين الأجانب الرئيسية لمساعدة لبنان على تجاوز حالة الانهيار المالي. ويعيش البلد على وقع أسوأ أزمة سياسية واقتصادية منذ الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990.
*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي