أما وقد ترشَّح الأسد
ناصر قنديل
– تتكاثر التعليقات الغربية وبعض صداها العربي المموّل من أنظمة ملكيّة وراثيّة لا دستور فيها، عن وصف الانتخابات الرئاسية في سورية بالمعلبة، بالتزامن مع رفض جماعات مناوئة للدولة السورية ادعت خلال سنوات مضت انها تمثل الشعب السوري المشاركة في الاستحقاق، ولو عن طريق تقديم مرشحين ووضع شروط تتصل بضمانات الإشراف على الانتخابات والتحقق من نزاهتها من جمعيات عالمية معروفة، مكتفية بالمقاطعة تحت شعار رفض التعليب.
– الملاحظة الأولى هي أننا مدعوون للخروج من الخضوع للإرهاب الفكريّ الذي يربط التمثيل الشعبي في بلادنا، ونحن في مرحلة تحرّر وطني، ببدعة تداول السلطة وكأن مجافاتها طعن بصدقيّة التمثيل، فالأكذوبة الغربية للديمقراطية قامت على خداع بصريّ تاريخيّ يخفي أن الغرب أنجز مرحلة بناء الدولة التي تحتاج الى زعماء تاريخيّين، بينما لا نزال نحن في قلبها، وأنه دخل في مرحلة إدارة الدولة التي تحتاج الى مؤسسات عميقة تحكم وتختار واجهات سياسية لتمثيلها في كل مرحلة وتقدم هذا الاستبدال الذي ترافقه عملية مالية وإعلامية عملاقة، بصفته مهرجاناً شعبياً احتفالياً للديمقراطية، ليصير نموذجاً وأداة قياس.
– يقدم الغرب لنا نموذجه تحت عنوان إما الجوع مع الكرامة والحرية والاستقلال أو الالتحاق بالركب والتنازل عن السيادة مقابل لعبة واجهة تتولى عبرها فروع دول الغرب العميقة اختيار الحكام لبلادنا ضمن مهرجان احتفالي شبيه بالذي يجري في الغرب، بوعد كاذب عنوانه أن الأخذ بهذه الوصفة سيجلب الازدهار.
– خاض الغرب وحلفاؤه حرباً استخدمت جزءاً من الشعب السوري والكثير الكثير من الواجهات السياسيّة والثقافيّة والإعلاميّة والطائفيّة والعسكريّة، فليخبرنا الغرب وكل من يدين له بالولاء ويتبنّى نموذجه للبناء، أين هم هؤلاء، ولماذا لم نصل بسورية الى مشهد فيه زعيمان كبيران يختصران الاصطفاف والمشهد السياسي، واحد يمثل مشروعهم الديمقراطي وتقف وراءه بديمقراطية مؤسسات ما يُسمّى بالمعارضة وأحزابها ويباهي به الغرب كمثال للقيادة الديمقراطية ولو قرّر عدم المشاركة في الانتخابات، ليقف قبالة الرئيس بشار الأسد كزعيم لحالة شعبية سياسية تؤمن بمشروع التحرر والمقاومة.
– بعد عشر سنوات من الحرب المتعددة الوجوه والتي استثمرت فيها أموال طائلة ومقدرات هائلة وجيوش علنية وسرية وسخرت لها دول عظمى في العالم والإقليم، تبخرت مشاريع الزعامات التي استثمر فيها الغرب وقدمها للسوريين، وبرز الرئيس بشار الأسد زعيماً سورياً وحيداً، ليس في معسكر قاده بنجاح نحو النصر، بل على ضفتي الاشتباك الدائر حول سورية وفيها وعليها، فهل هذا يُكتب له أم عليه؟
– خلال عشر سنوات تقابل نموذجان، نموذج دولة سورية تملك مشروعاً واضحاً لتوحيد وتحرير الأراضي السورية، ونموذج عصابات ومافيات ومرتشين وقتلة ووحوش وعملاء للأجنبي، فهل يكون مستغرباً أن ينحاز السوريون الى نموذج الدولة التي يرمز اليها الرئيس بشار الأسد، وأن ينضم اليهم من يرغبون بتطوير وإصلاح هذه الدولة، ولكنهم يرون الحفاظ عليها وانتصارها مهمتهم الراهنة، ويرون الرئيس الأسد زعيماً مؤهلاً لقيادة المرحلتين؟
– الغرب لا يعترض في الحقيقة على ترشيح الرئيس الأسد ولا على فوزه، بل على إيمانه بأنه لا يحتاج أن ينال شرعية انتخابه الا من الشعب السوري، بينما كان يريد الغرب ان يساوم الرئيس الأسد على الاعتراف بشرعية انتخابه مقابل شروط تمسّ سيادة ووحدة سورية، فهل يصير الرئيس الأسد حاصل عمليّة ديمقراطيّة عندما يقبل بهذه الشروط؟
– لقد كسب السوريون خلال هذه السنوات خبرات كثيرة، أهمها أنه في بداية الحرب على بلدهم صدق الكثيرون منهم الأكذوبة الغربيّة وخدعوا بالشعارات والأموال والوعود وهاجر الكثيرون. وقد ذاق السوريون مرارة هذا الخداع، فمن بقي في سورية شهد البديل الذي يعرضه الغرب عليهم بوحوش يأكلون الأكباد ويسبون النساء ويقتلون الأطفال، ومن غادر تحوّل الى مهجّر ونازح يتوق للحظة العودة، ولن يخدع السوريون مرة ثانية، فكيف بالذين بقوا في بلدهم وآمنوا وضحوا وبذلوا دماء غالية حتى بلغوا مرحلة ما قبل النصر الكبير والنصر الأخير؟